(وَما أَنْتَ بِتابِعٍ
قِبْلَتَهُمْ) قطع لأطماعهم ، فإنّهم قالوا : لو ثبتّ على قبلتنا
لكنّا نرجو أن تكون صاحبنا الّذي ننتظره ، وطمعوا في رجوعه إلى قبلتهم. وقبلتهم
وإن تعدّدت ، لأنّ اليهود تستقبل بيت المقدس ، والنصارى مطلع الشمس ، لكنّها متحدة
بالبطلان ومخالفة الحقّ.
(وَما بَعْضُهُمْ
بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ) فإنّ اليهود تستقبل الصخرة ، والنصارى مطلع الشمس ، لا
يرجى توافقهم ، كما لا يرجى موافقتهم لك ، لتصلّب كلّ حزب فيما هو وثباته عليه.
(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ
أَهْواءَهُمْ) على سبيل الفرض والتقدير (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ
مِنَ الْعِلْمِ) أي : ولئن اتّبعتهم مثلا بعد ما بان لك الحقّ وجاءك فيه
الوحي (إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ
الظَّالِمِينَ) لمن المرتكبين الظلم الفاحش.
أكّد تهديده
وبالغ فيه من سبعة أوجه ، وهي : تصدير الكلام بالقسم المضمر أوّلا ، ثمّ تصدير
الجملة بـ «إنّ» الّتي تفيد التأكيد والتحقيق ثانيا ، والتركيب من الجملة الاسميّة
ثالثا ، وإدخاله في جملة الظالمين دون قوله : فإنّك ظالم رابعا ، واللّام في قوله
: (لَمِنَ الظَّالِمِينَ) خامسا ، وإسناد اتّباع الباطل بعد حصول العلم بعدم
جوازه سادسا ، وتنزيل اتّباعهم في شيء واحد منزلة اتّباع أهوائهم سابعا ، تعظيما
للحقّ المعلوم ، وتحريضا على اقتفائه ، وتحذيرا عن متابعة الهوى ، واستفظاعا لصدور
الذنب عن الأنبياء ، وتحذيرا وتهجينا لحال من يترك الدليل بعد تبيينه.
(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ
الْكِتابَ) يعني : علماءهم (يَعْرِفُونَهُ) الضمير للرسول وإن لم يسبق ذكره ، لدلالة الكلام عليه ،
ومثل هذا الإضمار فيه تفخيم وإيذان بأنّه لشهرته معلوم بغير إعلام ، أي : يعرفون
رسول الله بأوصافه معرفة جليّة (كَما يَعْرِفُونَ
أَبْناءَهُمْ) كمعرفتهم أبناءهم ، لا يلتبسون عليهم بغيرهم.
قيل : سأل عمر
عبد الله بن سلام عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : أنا أعلم به منّي بابني ، قال : ولم؟ قال :
لأنّي لست أشكّ في محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه نبيّ ، فأمّا ولدي فلعلّ والدته خانت.