على الظرف ، أي : اجعل تولية الوجه تلقاء المسجد ، أي : في جهته وسمته.
وقيل : الشطر في الأصل لما انفصل عن الشيء ، من «شطر» إذا انفصل ، ودار شطور أي : منفصلة
عن الدور ، ثمّ استعمل لجانب الشيء وإن لم ينفصل كالقطر. والحرام المحرّم ، أي :
محرّم فيه القتال ، أو ممنوع من الظّلمة أن يتعرّضوه. وإنّما ذكر المسجد دون
الكعبة لأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان في المدينة ، والبعيد يكفيه مراعاة الجهة ، فإنّ
استقبال عينها حرج عليه ، بخلاف القريب.
روي أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قدم المدينة فصلّى نحو بيت المقدس ستّة عشر شهرا ، ثمّ
وجّه إلى نحو الكعبة في رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين ، وهو صلىاللهعليهوآلهوسلم في مسجد بني سلمة ، وقد صلّى ركعتين من الظهر ، فتحوّل
في الصلاة واستقبل الميزاب ، وتبادل الرجال والنساء صفوفهم ، فسمّي المسجد مسجد
القبلتين.
وخصّ الرسول
بالخطاب أوّلا تعظيما له ، وإيجابا لرغبته ، ثمّ عمّم تصريحا بعموم الحكم ،
وتأكيدا لأمر القبلة ، وتحضيضا للأمّة على المتابعة ، فقال : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ) أينما كنتم من الأرض ، في برّ أو بحر ، سهل أو جبل (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) فهو خطاب لجميع أهل الآفاق (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يعني : علماء اليهود والنصارى (لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُ) أنّ التحويل أو التوجّه إلى الكعبة هو الحقّ (مِنْ رَبِّهِمْ) صادرا منه ، لأنّه كان في بشارة أنبيائهم رسول الله ،
وفي كتبهم أنّه يصلّي القبلتين (وَمَا) كان (اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا
يَعْمَلُونَ) وعد ووعيد للفريقين. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي
بالتاء.
ثمّ بيّن رسوخ
كفرهم وعنادهم بقوله : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ) برهان قاطع وحجّة ساطعة على أنّ الكعبة قبلة ، واللام
موطّئة للقسم (ما تَبِعُوا
قِبْلَتَكَ) جواب القسم المضمر ، وقد سدّ مسدّ جزاء الشرط. والمعنى
: ما تركوا قبلتك لشبهة تزيلها بحجّة ، وإنّما خالفوك مكابرة وعنادا ، لعلمهم بما
في كتبهم من نعتك وكونك على الحقّ.