وقيل : الشهود
أربعة : الملائكة ، والأنبياء ، وأمّة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والجوارح ، كما قال : (يَوْمَ تَشْهَدُ
عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ)[١] الآية.
(وَما جَعَلْنَا
الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) «التي» ليست بصفة القبلة ، بل هي المفعول الثاني لـ «جعل». يعني : وما
جعلنا القبلة الجهة الّتي كنت عليها ، وهي الكعبة ، لأنّه عليهالسلام كان يصلّي إليها بمكّة ، ثمّ لمّا هاجر أمر بالصّلاة
إلى صخرة بيت المقدس تألّفا لليهود. أو هي الصخرة ، لقول ابن عبّاس : كانت قبلته
بمكّة بيت المقدس ، إلّا أنّه يجعل الكعبة بينه وبينه. فالمخبر به على الأوّل
الجعل الناسخ ، وعلى الثاني الجعل المنسوخ. والمعنى : أنّ أصل أمرك أن تستقبل
الكعبة ، وما جعلنا قبلتك بيت المقدس.
(إِلَّا لِنَعْلَمَ
مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) إلّا لنمتحن النّاس ، ونعلم من يتّبعك في الصّلاة إلى
الصخرة ممّن يرتدّ عن دينك آلفا لقبلة آبائه. أو لنعلم الآن ممّن يتّبع الرسول
ممّن لا يتّبعه. وعلى الأوّل معناه : ما رددناك إلى التي كنت عليها إلا لنعلم
الثابت على الإسلام ممّن ينكص على عقبيه ، لقلقه وضعف إيمانه.
وإنّما قال : «لنعلم»
ولم يزل عالما بذلك لأنّ معناه : لنعلمه علما يتعلّق به الجزاء ، وهو أن يتعلّق
علمه به موجودا حاصلا. فهذا ونظائره باعتبار التعلّق الحالي الّذي هو مناط الجزاء
، لا بأن يكون علمه تعالى غاية الجعل ، إذ هو سبحانه لم يزل عالما.
وقيل : ليعلم
رسوله والمؤمنون ، لكنّه أسند إلى نفسه لأنّهم خواصّه. أو المعنى : لنميّز الثابت
من المتزلزل ، كقوله تعالى : (لِيَمِيزَ اللهُ
الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)[٢]