والأوّل أوجه ،
لشذوذ تعريف المميّز ، وبعد نزع الخافض منها.
ثمّ بيّن خطأ
رأي من رغب عن ملّته بقوله : (وَلَقَدِ
اصْطَفَيْناهُ) اجتبيناه بالرسالة (فِي الدُّنْيا
وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) الفائزين. فمن كان صفوة العباد وخيرتهم في الدنيا ،
مشهودا له بالاستقامة والصلاح يوم القيامة ، كان حقيقا بالاتّباع له ، لا يرغب عنه
إلا سفيه أو متسفّه ، أذلّ نفسه بالجهل والإعراض عن النظر.
ومعنى «أسلم»
في قوله : (إِذْ قالَ لَهُ
رَبُّهُ أَسْلِمْ) أخطر ببالك النظر في الدلائل المفضية به إلى التوحيد ،
لتخلص لله العبادة (قالَ أَسْلَمْتُ
لِرَبِّ الْعالَمِينَ) أي : نظرت وعرفت خالق العالم فعبدته خالصا. وقيل : إنّ
معنى «أسلم» أذعن وأطع.
وهذه الآية ظرف
لـ «اصطفيناه» وتعليل له ، أي : اخترناه في ذلك الوقت. أو منصوب بإضمار : أذكر ،
كأنّه قيل : أذكر ذلك الوقت لتعلم أنّه المصطفى الصالح المستحقّ للإمامة والتقدّم
، بسبب المبادرة إلى إخلاص السرّ والإذعان حين دعاه ربّه إلى التوحيد على طريق
النظر ، فأخطر بباله دلائله المؤدّية إلى المعرفة الداعية إلى التوحيد وسائر أصول
قواعد الإسلام.
وعن ابن عبّاس
: إنّما قال ذلك إبراهيم عليهالسلام حين خرج من السّرب [١].
وروي أنّ عبد
الله بن سلام دعا ابني أخيه سلمة ومهاجرا إلى الإسلام ، فقال لهما : قد علمنا أنّ
الله تعالى قال في التوراة : إنّي باعث من ولد إسماعيل نبيّا اسمه أحمد ، فمن آمن
به فقد اهتدى ورشد ، ومن لم يؤمن فهو ملعون ، فأسلم سلمة ، وأبى مهاجر أن يسلم ،
فنزلت : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ
مِلَّةِ إِبْراهِيمَ) الى آخر الآيتين.