(وَلا تُسْئَلُ) أي : لا نسألك (عَنْ أَصْحابِ
الْجَحِيمِ) ما لهم لم يؤمنوا بعد أن بلّغت وبذلت جهدك في دعوتهم ،
كقوله : (فَإِنَّما عَلَيْكَ
الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ)[١].
وقرأ نافع
ويعقوب : لا تسأل ، على أنّه نهي عن السؤال عن حالهم ، تعظيما لعقوبة الكفّار ،
كأنّها لفظاعتها لا تقدر أن تخبر عنها ، أو السامع لا يصبر على استماع خبرها ، بل
يجزع غاية الجزع ، فنهاه عن السؤال. والجحيم : المتأجّج من النار.
وكأنّ اليهود
قالوا : لن نرضى عنك وإن طلبت رضانا جهدك حتى تتّبع ملّتنا ، فحكى الله كلامهم
بقوله : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ
الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) مبالغة في إقناط الرسول عليه الصلاة والسلام عن إسلامهم
، فإنّهم إذا لم يرضوا عنه حتى يتّبع ملّتهم فكيف يتّبعون ملّته؟! (قُلْ) جوابا لهم عن قولهم (إِنَّ هُدَى اللهِ) يعني : إنّ هدى الله الّذي هو الإسلام (هُوَ الْهُدى) إلى الحقّ ، وهو الّذي يصحّ أن يسمّى هدى ، لا ما تدعون
إليه.
(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ
أَهْواءَهُمْ) أي : آراءهم الزائغة والبدع المضلّة. والفرق بين الملّة
والهوى : أنّ الملّة ما شرعه الله تعالى لعباده على لسان أنبيائه ، من «أمللت
الكتاب» إذا أمليته ، والهوى رأي يتبع الشهوة. يعني : لو اتّبعت شهواتهم المردية (بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) أي : الوحي ، أو الدين المعلوم صحّته بالدلائل
والبراهين (ما لَكَ مِنَ اللهِ
مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) يدفع عنك عقابه. وهو جواب «لئن». وهذا على سبيل الفرض ،
لأنّه تعالى علم أنّ نبيّه لا يتّبع أهواءهم ، فجرى مجرى قوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ)[٢].
(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ
الْكِتابَ) يريد : مؤمني أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلام ،