ولمّا بيّن
سبحانه حالهم في إنكارهم التوحيد ، وإذعانهم عليه اتّخاذ الأولاد ، عقّبه بذكر
خلافهم في النبوّات ، وسلوكهم في ذلك طريق التعنّت والعناد ، فقال : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أي : جهلة المشركين. قيل : المتجاهلون من أهل الكتاب. ونفي
العلم عنهم ، لأنّهم لم يعملوا به ، فكأنّهم لا يعلمون (لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ) هلّا يكلّمنا كما يكلّم الملائكة وكلّم موسى؟ أو يوحي
إلينا بأنّك رسوله (أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ) حجّة على صدقك. والأوّل استكبار ، والثاني جحود أنّ ما
آتاهم آيات الله ، استهانة به وعنادا.
(كَذلِكَ قالَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم الماضية (مِثْلَ قَوْلِهِمْ) حيث اقترحوا الآيات على موسى وعيسى فقالوا : أرنا الله
جهرة ، هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدة من السماء؟ (تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) قلوب هؤلاء ومن قبلهم في العمى والعناد ، كقوله : (أَتَواصَوْا بِهِ)[١].
(قَدْ بَيَّنَّا
الْآياتِ) يعني الحجج والمعجزات الّتي يعلم بها صحّة نبوّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم(لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أي : يستدلّون بها من الوجه الّذي يجب الاستدلال به ،
فأيقنوا أنّها آيات يجب الاعتراف بها ، والاكتفاء بوجودها عن غيرها. أو يوقنون
الحقائق ، لا يعتريهم شبهة ولا عناد. وفيه إشارة إلى أنّهم ما قالوا ذلك لخفاء في
الآيات ، أو لطلب مزيد يقين ، وإنّما قالوه عتوّا وعنادا.
ثمّ بيّن
تأييده نبيّه محمدا بالحجج ، وبعثه بالحقّ ، فقال : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ
بِالْحَقِ) متلبّسا به ، أو مؤيّدا به (بَشِيراً) من اتّبعك بالثواب الأبدي (وَنَذِيراً) من خالفك بالعقاب السرمدي ، فلا بأس عليك إن أصرّوا
وكابروا ، ولا يجب عليك أن تجبرهم على الإيمان. وفي هذه تسلية له صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لئلّا يضيق صدره بإصرارهم على الكفر.