أي : قلنا لهم خذوا (ما آتَيْناكُمْ) ما أمرتم به في التوراة (بِقُوَّةٍ) بجدّ (وَاسْمَعُوا) سماع طاعة (قالُوا سَمِعْنا) قولك (وَعَصَيْنا) أمرك ، أى : سمعناه ولكن لا سماع طاعة (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) تداخل فيها حبّه ، ورسخ فيها صورته ، لفرط شغفهم وحرصهم
بعبادته ، كما يتداخل الصبغ الثوب ، والشراب أعماق البدن. و (فِي قُلُوبِهِمُ) بيان لمكان الإشراب ، كقوله : (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً)[١].
وليس معنى «أشربوا»
أنّ غيرهم فعل ذلك بهم ، بل هم الفاعلون ، كما يقول القائل : أنسيت ذلك من النسيان
، وليس يريد أنّ غيره فعل ذلك به ، ويقال : اوتي فلان علما جمّا ، وإن كان هو المكتسب.
وقيل : إنّما أشرب حبّ العجل قلوبهم من زيّنه عندهم ودعاهم إليه ، كالسامريّ
وشياطين الإنسان والجنّ.
وقوله : (بِكُفْرِهِمْ) معناه بسبب كفرهم ، وذلك لأنّهم كانوا مجسّمة أو
حلوليّة ، ولم يروا جسما أعجب منه ، فتمكّن في قلوبهم ما سوّل لهم السّامريّ. وليس
المعنى أنّهم اشربوا حبّ العجل جزاء على كفرهم ، لأنّ محبّة العجل كفر قبيح ،
والله سبحانه لا يفعل الكفر في العبد لا ابتداء ولا جزاء ؛ بل معناه أنّهم بسبب
كفرهم بالله اشربوا حبّ العجل.
(قُلْ بِئْسَما
يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ) أي : بالتوراة. والمخصوص بالذمّ محذوف ، نحو عبادة
العجل ، أو هذا الأمر ، أو ما يعمّه وغيره من قبائحهم المعدودة في الآيات الثلاث
إلزاما عليهم (إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ) تقرير للقدح في دعواهم الإيمان بالتوراة ، وتقديره : إن
كنتم مؤمنين بها ما أمركم إيمانكم بهذه القبائح ، وما رخّص لكم فيها إيمانكم بها ،
أو إن كنتم مؤمنين بها فبئس ما أمركم به إيمانكم بها ، لأنّ المؤمن لا يتعاطى إلا
ما يقتضيه إيمانه ، لكنّ الإيمان بها لا يأمرهم بذلك ، فإذا لستم بمؤمنين.