(وَأَيَّدْناهُ) قوّيناه (بِرُوحِ الْقُدُسِ) بالروح المقدّسة ، كقولك : حاتم الجود ، ورجل صدق ، في
إضافة الاسم إلى المصدر. أراد به جبرئيل ، أي : أيّدنا عيسى بجبرئيل من أوّل صغره
إلى كبره ، فكان يسير معه حيث سار ، ولمّا همّ اليهود بقتله لم يفارقه حتى صعد به
إلى السماء ، وكان تمثّل لمريم عند حملها به وبشّرها به.
وقيل : روح
عيسى ، ووصفها به لطهارته عن مسّ الشيطان ، أو لكرامته على الله ، ولذلك أضافها
إلى نفسه ، أو لأنّه لم تضمّه الأصلاب والأرحام الطوامث ، أو لغلبة الروحانيّة
عليه ، فشابه الروحانيّين ، أو الإنجيل ، أو الاسم الأعظم الذي كان يحيي به
الموتى. وقرأ ابن كثير القدس بالإسكان في جميع القرآن.
ثمّ خاطب
اليهود توبيخا وتعجيبا فقال : يا معشر اليهود (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ
رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ) أي : بما لا تحبّه ، يقال : هوي بالكسر هوى إذا أحبّ ،
وهوى بالفتح هويّا بالضمّ إذا سقط. ووسّط بين الفاء وما تعلّقت به ـ وهو قوله : «وآتينا»
ـ همزة التوبيخ والتعجيب في شأنهم. ويجوز أن يكون استئنافا ، والفاء للعطف على
مقدّر ، أي : أأعرضتم فكلّما ... إلخ.
وقوله : «استكبرتم»
مجمل تفصيله قوله : (فَفَرِيقاً
كَذَّبْتُمْ) عن الإيمان واتّباع الرسل ، كموسى وعيسى (وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) كزكريّا ويحيى ، فالفاء لتفصيل الاستكبار. ويجوز أن
يكون للسببيّة. وإنّما ذكر بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية استحضارا لها في
النفوس ، وتصويرا لها في القلوب ، فإنّ الأمر فظيع ، ومراعاة للفواصل ، أو للدلالة
على أنّكم بعد فيه ، فإنّكم حاولتم قتل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم لو لا أنّي أعصمه منكم ، ولذلك سحرتموه وسممتم له
الشاة.