القتال والإجلاء. (فَما جَزاءُ مَنْ
يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) كقتل قريظة وسبيهم ، وضرب الجزية على غيرهم. وأصل الخزي
ذلّ بما يستحيا منه ، ولذلك يستعمل في كلّ من الذلّ والاستحياء (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ
الْعَذابِ) الّذي أعدّه الله لأعدائه ، وهو العذاب الّذي لا روح
فيه مع اليأس من التخلّص ، لأنّ عصيانهم أشدّ ، ولهذا أكّد هذا الوعيد بقوله : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) أي : الله سبحانه لا يغفل عن أفعالهم ، بل هو حافظ لها
ومجاز عليها. وقرأ عاصم في رواية المفضّل : «تردّون» على الخطاب ، لقوله تعالى : (مِنْكُمْ) ، وابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر ويعقوب : «عمّا
يعملون» بالياء ، على أنّ الضمير لـ «من».
واعلم : أنّ
هذه الآية لا تقتضي صحّة اجتماع الإيمان والكفر الّذي هو مناف للمذهب الصحيح ،
لأنّ المعنى أنّهم أظهروا التصديق ببعض الكتاب والإنكار ببعض. وفيها تسلية لنبيّنا
صلىاللهعليهوآلهوسلم في ترك قبول اليهود قوله وانحيازهم عن الإيمان به ،
فكأنّه يقول : كيف يقبلون قولك ويسلّمون لأمرك ويؤمنون بك وهم لا يعملون بكتابهم
مع إقرارهم به وبأنّه من عند الله تعالى؟!
(أُولئِكَ الَّذِينَ
اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) آثروا الحياة الدنيا على الآخرة ، ورضوا بها عوضا من
نعيم الآخرة (فَلا يُخَفَّفُ
عَنْهُمُ الْعَذابُ) بنقص الجزية في الدنيا ، وتهوين التعذيب في الآخرة (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) أي : لا ينصرهم أحد بدفعهما عنهم.