الفاعل والثاني إلى المفعول ، فإنّه تعالى عهد إليهم بالإيمان والعمل
الصالح بنصب الدلائل وإنزال الكتب ، ووعد لهم بالثواب على حسناتهم. وللوفاء بهما
عرض عريض ، فأوّل مراتب الوفاء منّا هو الإتيان بكلمتي الشهادة ، ومن الله حقن
الدم والمال ، وآخرها منّا الاستغراق في بحر التوحيد بحيث يغفل عن نفسه فضلا عن
غيره ، ومن الله الفوز بنهاية القرب الدائم المسمّى باللقاء الأبدي.
وما روي عن ابن
عباس : أوفوا بعهدي في اتّباع محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم أوف بعهدكم في رفع آصار التكليف وشدّتها ، وعن غيره :
أوفوا بأداء الفرائض وترك الكبائر أوف بالمغفرة والثواب ، أو أوفوا بالاستقامة على
الطريق المستقيم أوف بالكرامة والنعيم المقيم ، فبالنظر إلى وسائط مراتب الوفاء.
ويجوز أن يكون
كلاهما مضافا إلى المفعول ، والمعنى : أوفوا بما عاهدتموني من الإيمان والتزام
الطاعة أوف بما عاهدتكم من حسن الإثابة.
وتفصيل هذين
العهدين قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ
مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) إلى قوله (وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي)[١].
(وَإِيَّايَ
فَارْهَبُونِ) فيما تأتون وتتركون ، وخصوصا في نقض العهد ، وهو آكد في
إفادة التخصيص من (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) لما فيه ـ مع تقديم المفعول ـ من تكرير المفعول ،
والفاء الجزائيّة الّتي تدلّ على تضمّن الكلام معنى الشرط ، كأنّه قيل : إن كنتم
راهبين شيئا فارهبون. والرهبة عبارة عن خوف مع تحرّز.
والآية متضمّنة
للوعد والوعيد ، ودالّة على وجوب شكر النعمة ـ وفي الحديث : التحدّث بالنعم شكر ـ وعلى
الوفاء بالعهد ، وأنّ المؤمن ينبغي أن لا يخاف أحدا إلّا الله ، وأن عظم المعصية
في جحود النعم وكفرانها ، ولحوق الوعيد الشديد بكتمانها ، وعلى ثبوت أفعال العباد
، إذ لو لم تكن لهم أفعال لما صحّ العهد