ثمّ ذكر الله
سبحانه ما أمر به آدم عليهالسلام بعد ما أنعم عليه ، من اختصاصه بالعلوم الّتي بها أوجب
له الإعظام وأسجد له الملائكة الكرام ، فقال : (وَقُلْنا يا آدَمُ
اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ). نون «قلنا» نون الكبرياء والعظمة لا نون الجمع.
والسكنى من السكون ، لأنّها استقرار ولبث. و «أنت» تأكيد أكّد به المستكن ليصحّ
العطف عليه. وإنّما لم يخاطبهما أوّلا تنبيها على أنّه المقصود بالحكم ، والمعطوف
عليه تبع له.
و «الجنّة» دار
الثواب ، لأنّ اللام للعهد ولا معهود غيرها. ومن زعم أنّها لم تخلق بعد قال : إنّه
بستان كان بأرض فلسطين أو بين فارس وكرمان خلقه الله امتحانا لآدم ، وحمل الإهباط
على الانتقال منه إلى أرض الهند ، كما في قوله : (اهْبِطُوا مِصْراً)[١] والقول الأوّل أشهر وأصحّ وأكثر. ومن يزعم أنّ جنّة
الخلد من يدخلها لا يخرج منها غير صحيح ، لأنّ ذلك إنّما يكون إذا استقرّ أهل
الجنّة فيها للثواب ، فأمّا قبل ذلك فإنّها تفنى ، لقوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)[٢].
وعن ابن عبّاس
وابن مسعود أنّه لمّا أخرج إبليس من الجنّة لامتناعه من