أمّا الأولى ،
فهو أنّ موادّ الأبدان قابلة للجمع والحياة. وأشار إلى البرهان عليها بقوله : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ
يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ)[١] ، فإنّ تعاقب الافتراق والاجتماع والموت والحياة عليها
يدلّ على أنّها قابلة لها بذاتها ، وما بالذات يأبى أن يزول ويتغيّر.
وأمّا الثانية
والثالثة ، فإنّه عالم بها وبمواقعها ، قادر على جمعها وإحيائها. وأشار إلى وجه إثباتهما
بأنّه تعالى قادر على إبدائها وإبداء ما هو أعظم خلقا وأعجب صنعا ، فكان أقدر على
إعادتهم وإحيائهم ، وأنّه تعالى خلق ما خلق خلقا مستويا محكما من غير تفاوت
واختلال مراعى فيه مصالحهم وسدّ حاجاتهم ، وذلك دليل على تناهي علمه ، وكمال حكمته
، جلّت قدرته ، ودقّت حكمته.
وفي هذه الآية
أيضا دلالة على أنّ صانع السماء والأرض قادر عالم ، وأنّه تعالى إنّما يفعل الفعل
لغرض ، وأنّ له على الكفّار نعما يجب شكره عليهم بها.
ثمّ عدّد نعمة
ثالثة تعمّ الناس كلّهم ، وهو خلق آدم وإكرامه وتفضيله على سكّان ملكوته بأمرهم
بالسجود ، فقال : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ
لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) «إذ» ظرف وضع لزمان نسبة ماضية وقع فيه اخرى ، كما وضع إذا لزمان نسبة
مستقبلة تقع فيه اخرى ، ولذلك تجب إضافتهما إلى الجمل ، كـ «حيث» في المكان.
وبنيتا تشبيها بالموصولات. واستعملتا للتعليل والمجازاة. ومحلّهما النصب