عن خلق السماء وتسويتها. اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ الله خلق الأرض قبل
السماء غير أنّه لم يدحها ، فلمّا خلق السماء دحاها بعد ذلك. ودحوها : بسطها
ومدّها ، كما ورد عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «دحيت الأرض من مكّة». فالأرض كلّها بعد الخلق تكون
تحت مكّة ، ثمّ بعد ذلك دحاها في أقطار العالم.
(فَسَوَّاهُنَ) وعدّلهنّ وخلقهنّ مصونة من العوج والفطور. و «هنّ» ضمير
السماء إن فسّرت بالأجرام وجهات العلوّ ، لأنّها جمع ، وإلّا فمبهم ، تفسيره ما
بعده ، كقولهم : ربّه رجلا.
(سَبْعَ سَماواتٍ) بدل أو تفسير. وإن صحّ أنّ الأفلاك تسعة ـ كما ظنّ
أصحاب الإرصاد ـ فليس في الآية نفي الزائد ، مع أنّه إن ضمّ إليها العرش والكرسي
لم يبق خلاف.
(وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ) وأسكن نافع برواية قالون وأبو عمرو والكسائي الهاء في
نحو : فهو ولهو وو هو ، تشبيها لها بعضد [١]. فيه تعليل ، كأنّه قال : ولكونه عالما بكنه الأشياء
كلّها خلق ما خلق على هذا النمط الأكمل والوجه الأنفع. واستدلال بأنّ من كان فعله
على هذا النسق العجيب والترتيب الأنيق كان عليما ، فإنّ إتقان الأفعال وإحكامها
وتخصيصها بالوجه الأحسن الأنفع لا يتصوّر إلّا من عالم حكيم رحيم. وإزاحة لما
يختلج في صدورهم من أنّ الأبدان بعد ما تفتّتت وتبدّدت أجزاؤها ، واتّصلت بما
يشاكلها ، كيف تجمع أجزاء كلّ بدن مرّة ثانية بحيث لا يشذّ شيء منها ، ولا ينضمّ
إليها ما لم يكن معها ، فيعاد منها كما كان؟!
واعلم وفّقك
الله تعالى في الاهتداء إلى الطريق الموصل إلى الحقّ أنّ صحّة الحشر مبنيّة على
ثلاث مقدّمات ، وقد برهن عليها في هاتين الآيتين :
[١] أي : أنّها تشبه
لفظ «عضد» حيث إن العرب تخفّفه بإسكان الضاد : عضد ، وهي لغة مشهورة مستعملة. راجع
الكشف عن وجوه القراءات السبع ١ : ٢٣٤.