ولمّا وصفهم
بالكفر وسوء المقال وخبث الفعال خاطبهم على طريقة الالتفات ، ووبّخهم على كفرهم مع
علمهم بحالهم المقتضية خلاف ذلك ، فقال إنكارا وتعجيبا لكفرهم : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) إيثار «كيف» الموضوع لإنكار الحال على الهمزة
الاستفهاميّة لإفادة التعجيب لكفرهم بإنكار الحالة الّتي يقع عليها على الطريق
البرهاني ، لأنّ صدوره لا ينفكّ عن حال وصفة ، فإذا أنكر أن يكون لكفرهم حال يوجد
عليها استلزم ذلك إنكار وجوده ، فهو أبلغ وأقوى في إنكار الكفر من «أتكفرون» ،
وأوفق لما بعده من الحال. والمعنى : أخبروني على أيّ حال تكفرون.
(وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) وحالكم أنّكم كنتم أجساما لا حياة لها ، عناصر وأغذية ،
وأخلاطا ونطفا ومضغا مخلّقة وغير مخلّقة.
(فَأَحْياكُمْ) فجعلكم أحياء بخلق الأرواح ونفخها فيكم. وعطفه بالفاء
لأنّه متّصل بما عطف عليه غير متراخ عنه ، لأنّ الإحياء يحصل عقيب كونهم جمادا
مستعدّا للحياة بلا تراخ ، بخلاف البواقي ، فإنّ الموت قد تراخى عن الإحياء ،
والإحياء الثاني كذلك متراخ عن الموت ـ إن أريد به النشور ـ تراخيا ظاهرا ، وإن
أريد به إحياء القبر فمنه يكتسب العلم بتراخيه. والرجوع إلى الجزاء أيضا متراخ عن
النشور ، ولهذا عطف عليه بثمّ الموضوعة للتراخي فقال : (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) بعد هذه