والثاني :
الانهماك ، وهو أن يعتاد ارتكابها غير مبال بها.
والثالث :
الجحود ، وهو أن يرتكبها مستصوبا إيّاها. فإذا شارف هذا المقام وتخطّى خططه خلع
ربقة الإيمان من عنقه ، ولا بس الكفر. وما دام هو في درجة التغابي والانهماك فلا
يسلب عنه اسم المؤمن ، لاتّصافه بالتصديق الذي هو مسمى الإيمان ، ولقوله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
اقْتَتَلُوا)[١]. والمعنيّ بالآية هو الثالث.
ثمّ وصف
الفاسقين بالذمّ وقرّر الفسق فقال : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ
عَهْدَ اللهِ). النقض فسخ تركيب الشيء ، وأصله في طاقات الحبل ،
واستعماله في إبطال العهد ، من حيث إنّ العهد يستعار له الحبل ، لما فيه من ربط
أحد المتعاهدين بالآخر. والعهد : الموثّق ، ووضعه لما من شأنه أن يتعهّد ويراعى
كالوصيّة واليمين.
وهذا العهد
إمّا العهد المأخوذ ما [٢] ركز في العقول من الحجّة القائمة على عباده ، الدالّة
على توحيده ووجوب وجوده وصدق رسوله. وقوله : (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى
أَنْفُسِهِمْ)[٣] على هذا المعنى. أو المأخوذ بالرسل على الأمم بأنّهم
إذا بعث إليهم رسول مصدّق بالمعجزات صدّقوه واتّبعوه ، ولم يكتموا أمره ولم
يخالفوا حكمه ، وأشار إليه بقوله : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ
مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ)[٤] ونظائره.