وإسناد الإضلال
إلى الله سبحانه إسناد الفعل إلى السبب ، لأنّه لمّا ضرب المثل فضلّ به قوم واهتدى
به قوم ، تسبّب لضلالهم وهداهم.
(وَما يُضِلُّ بِهِ
إِلَّا الْفاسِقِينَ) أي : الخارجين عن حدّ الإيمان. والمراد بالإضلال
التخلية ، فإنّ الله سبحانه لمّا علم أنّ الكفّار لإصرارهم ورسوخهم في الكفر
وعنادهم وجحودهم واستكبارهم لا ينجع فيهم اللطف والتوفيق ، فيخلّيهم في الضلالة ، ويمنع
منهم الألطاف الهادية. أو المراد حكمه بضلالتهم. ولا يجوز أن يكون إسناد الإضلال
إلى الله على الحقيقة ، لقبحه واستلزامه الظلم ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
وأيّ عاقل يعتقد أن يضاف إلى الله تعالى الإضلال الّذي أضافه إلى الشيطان وإلى
فرعون والسّامريّ بقوله : (وَلَقَدْ أَضَلَّ
مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً)[١] وقوله : (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ
قَوْمَهُ وَما هَدى)[٢] وقوله : (وَأَضَلَّهُمُ
السَّامِرِيُ)[٣].
وأصل الفسق
الخروج عن القصد ، وفي الشرع الخروج عن طاعة الله.
وقال الفرّاء [٤] : إنّ قوله : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً) حكاية عمّن قال : ماذا أراد الله بهذا مثلا يضلّ به قوم
ويهتدي به قوم ، ثمّ قال سبحانه : (وَما يُضِلُّ بِهِ
إِلَّا الْفاسِقِينَ) فبيّن تعالى أنّه لا يضلّ إلّا ضالّا فاسقا راسخا في
الكفر. وعلى التفسير الأوّل كلامه تعالى ابتداء. وكلاهما حسن.
واعلم أن للفسق
درجات ثلاث :
الاولى :
التغابي ، وهو أن يرتكب المعصية أحيانا مستقبحا إيّاها.