و الحكماء استدلّوا على هذا: بأنّ اللذّة هي الإدراك للكمال، و نسبة إحدى اللذّتين إلى الأخرى كنسبة أحد الكمالين إلى الآخر و نسبة أحد الإدراكين إلى الآخر، لكن مدرك القوّة العقلية هي الأمور الشريفة كالأمور المجرّدة، و مدرك القوّة الجسمانية هي الأمور المقارنة فإدراك الأولى أشدّ؛ فإنّها تصل إلى كنه المدرك و حقيقته فإنّها تفصّله إلى أجزائه كالأجناس و الفصول. و الثانية إنّما تدرك الشيء الظاهر من الأجسام كالسطوح و الأعراض. فإذن اللذّة في الأولى أقوى.
و هذا البحث مبنيّ على إثبات النفس.
قالوا: و الكمالات النفسانية مفقودة حال تعلّق النفس بالبدن و لا يقع لها شوق؛ لحصول أمر مضادّ لها فإذا زال العائق اشتدّ الشوق [2].
[128]سرّ
قالوا: النفوس إمّا أن تكون ذوات عقائد، و إمّا أن لا تكون، و ذوات العقائد إمّا أن تكون مطابقة أو لا تكون، و المطابقة إمّا أن يحصل لها ذلك من البرهان أو لا.
فهذه مراتب النفوس بحسب قوّتها العلمية، فذوات العقائد البرهانية المطابقة من أهل السعادة؛ لحصول الكمال-الذي هو العلم الملائم للنفس-لها. و ذوات العقائد