و أكثر هؤلاء هم القائلون بعنصر واحد إمّا نار أو ماء أو غير ذلك. و من هؤلاء من يرى كثرة في العناصر [2].
و احتجّ منكرو الكون: بأنّه يستحيل أن يتكوّن شيء لا عن شيء؛ فإنّ التكوّن يستدعي موضوعا و اللا شيء يستحيل أن يكون موضوعا للشيء فالتكوّن يستدعي موضوعا للشيء، فالمتكوّن إن كان موجودا فتكوّنه عن شيء، فقد كان الشيء قبل تكوّنه، و المتكوّن هو ما لم يكن قبل تكوّنه، فالمتكوّن غير متكوّن. و إذ صحّ أنّه قد يكوّن شيء عن شيء، فليس التكوّن إلاّ البروز؛ لاستحالة صيرورة شيء شيئا آخر [3].
و هذه الحجّة رديئة جدّا؛ فإنّه لو سلّم أن يكون الشيء لا يكوّن عن «لا شيء» لم يجب أن يكون ذلك الشيء المتكوّن عنه، مشابها للكائن في الطبيعة و النوع. و المنع من صيرورة الشيء شيئا آخر هو نفس المتنازع.
على أنّ قولهم: إذا استحال أن يكوّن عن «لا شيء» وجب أن يكوّن عن شيء، لا يخلو عن غلط فاحش؛ فإنّ نقيض «الكون عن لا شيء» ليس هو «الكون عن شيء» بل هو «اللا كون عن اللا شيء» .
ثمّ نقول: القول بالكمون باطل؛ فإنّ الماء لسهولته يمكن خرقه فلم لا تحسّ [4]الأجزاء النارية التي فيه كالحسّ بها إذا أفردت، بل يجب أن يكون الحسّ على تقدير الكمون أولى؛ فإنّ الأجزاء تكون مجتمعة يحسّ منها بما لا يحسّ إذا تفرّقت.
و أيضا فالنار الفاشية في الزجاج الذائب لو كانت موجودة فيه، لكانت مبصرة؛ لشفّافيّة الزجاج.
قيل على هذه: حرارة الفرفيون إنّما هي لكثرة الأجزاء النارية-على ما ذهب إليه الأطبّاء-مع أنّها لا تظهر في الحسّ مع السحق.