الأوّل و الثانی: الفقیر و المسکین، و الثانی أسوء حالًا [1] من الأوّل،
[1]
من الکلمات الشائعة أنّ الفقیر و المسکین کالجارّ و الظرف إذا اجتمعا
افترقا و إذا افترقا اجتمعا، و قد اجتمعا فی آیة الزکاة إِنَّمَا
الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاکِینِ و افترقا فی آیة الخمس وَ
اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْءٍ .. وَ الْمَسٰاکِینِ وَ ابْنِ
السَّبِیلِ و فی آیة الکفّارة. و افترق الفقراء عن المساکین فی قوله تعالی
یٰا أَیُّهَا النّٰاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرٰاءُ و خلاصة التحقیق فی هذا
الموضوع: أنّ أصل الفقر هو الحاجة و أصل المسکین من المسکنة و هی الذلّة و
هما یرجعان فی المآل إلی مفهوم واحد لأنّ الذلیل محتاج و المحتاج ذلیل،
فالحاجة هی القدر الجامع فإذا استعمل أحدهما وحده بدون الآخر یراد منه
القدر الجامع الشامل لهما، و إذا استعملا معاً فی جملة واحدة یراد من
المسکین نوعاً خاصّاً من المحتاج و هو الّذی اشتدّت الحاجة به حتّی ألجأته
إلی ذلّ السؤال و هو فوق ذلّ الحاجة و بهذا الاعتبار صار المسکین أخصّ
مطلقاً من الفقیر و هو أسوء حالًا منه أی من الفقیر کیف و أکثر الفقراء لا
یسألون بل یتعفّفون عن إظهار الحاجة و یحسبهم الجاهل أغنیاء بل کثیر من
الفقراء واقعاً هم أغنیاء عرفاً کأولاد الملوک و الأُمراء و أرباب النعمة و
الثراء الذین لا یملکون شیئاً لأنفسهم و لکنهم یتمتّعون بأوفر النعم و
بأکثر ممّا یتمتّع به آباؤهم و استعمال أحد اللفظین فیما یعمّ الآخر لیس
علی سبیل المجاز الّذی لا یصحّ إلّا بالقرینة بل استعمال المسکین بعد
الفقیر و مقترناً به کالقرینة العامّة علی أنّ المراد بالمسکین نوع خاصّ من
الفقیر و هو المتسوّل و السائل أمّا إذا انفرد المسکین فلا یراد منه إلّا
المعنی العامّ و هو الفقیر أی المحتاج، کما فی قوله تعالی أَمَّا
السَّفِینَةُ فَکٰانَتْ لِمَسٰاکِینَ یَعْمَلُونَ فِی الْبَحْرِ. و بعبارة
أجلی أنّ الفقر هو الإمکان و کلّ ممکن محتاج و فقیر. یا أیّها الناس أنتم
الفقراء و اللّٰه هو الغنیّ. و هذا تحقیق أنیق و لعلّه قلیل الجدوی. (کاشف
الغطاء).