وَ مَثَلُ مَنِ اغْتَرَّبِهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ كَانُوا بِمَنْزِلٍ خَصِيبٍ فَنَبَا بِهِمْ إِلَى مَنْزِلٍ جَدِيبٍ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِمْ وَ لَاأَفْظَعَ عِنْدَهُمْ مِنْ مُفَارَقَةِ مَا كَانُوا فِيهِ إِلَى مَا يَهْجُمُونَ عَلَيْهِ، وَ يَصِيرُونَ إِلَيْهِ.
يَا بُنَيَّ اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيما بَيْنَكَ وَ بَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكمَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَ اكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَ لَاتَظْلِمْ كَمَا لَاتُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَ أَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَ اسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ، وَ ارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ. وَ لَاتَقُلْ مَا لَاتَعْلَمُ وَ إِنْ قَلَّ مَا تَعْلَمُ، وَ لَاتَقُلْ مَا لَاتُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ.
وَ اعْلَمْ أَنَّ الْإِعْجَابَ ضِدُّ الصَّوَابِ، وَ آفَةُ الْأَلْبَابِ. فَاسْعَ فِي كَدْحِكَ، وَ لَاتَكُنْ خَازِناً لِغَيْرِكَ. وَ إِذَا أَنْتَ هُدِيتَ لِقَصْدِكفَكُنْ أَخْشَعَ مَا تَكُونُ لِرَبِّكَ.
وَ اعْلَمْ أَنَّ أَمَامَكَ طَرِيقاً ذَا مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، وَ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ. وَ أَنَّهُ لَاغِنىً بِكَ فِيهِ عَنْ حُسْنِ الارْتِيَادِ، وَ قَدْرِ بَلَاغِكَ مِنَ الزَّادِ مَعَ خِفَّةِ الظَّهْرِ، فَلَا تَحْمِلَنَّ عَلَى ظَهْرِكفَوْقَ طَاقَتِكَ، فَيَكُونَ ثِقْلُ ذلِكَ وَبَالًا عَلَيْكَ، وَ إِذَا وَجَدْتَ مِنْ أَهْلِ الفَاقَةِ مَنْ يَحْمِلُ لَكَ زَادَكإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَيُوَافِيكَ بِهِ غَداً حَيْثُ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَاغْتَنِمْهُ وَ حَمِّلْهُ إِيَّاهُ، وَ أَكْثِرْ مِنْ تَزْوِيدِهِ وَ أَنْتَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، فَلَعَلَّكَ تَطْلُبُهُ فَلا تَجِدُهُ. وَاغْتَنِمْ مَنِ اسْتَقْرَضَكَ فِي حَالِ غِنَاكلِيَجْعَلَ قَضَاءَهُ لَكَ فِي يَوْمِ عُسْرَتِكَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَمَامَكَ عَقَبَةً كَؤُوداً، الُمخِفُّ فِيهَا أَحْسَنُ حَالًامِنَ الْمُثْقِلِ، وَالْمُبْطِيءُ عَلَيْهَا أَقْبَحُ حَالًا مِنَ الْمُسْرِعِ، وَ أَنَّ مَهْبِطَكَ بِهَا لَامَحَالَةَ إِمَّا عَلَى جَنَّةٍ أَوْ عَلَى نَارٍ، فَارْتَدْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ نُزُولِكَ وَ وَطِّىءِ الْمَنْزِلَ قَبْلَ حُلُولِكَ، «فَلَيْسَ بَعْدَ الْمَوْتِ مُسْتَعْتَبٌ»،