فَإِذَا أَلْقَتِ الشَّمْسُ قِنَاعَهَا، وَ بَدَتْ أَوْضَاحُ نَهَارِهَا، وَ دَخَلَ مِنْ إِشْرَاقِ نُورِهَا عَلَى الضِّبَابِ فِي وِجَارِهَا، أَطْبَقَتِ الْأَجْفَانَ عَلَى مَآقِيهَا، وَ تَبَلَّغَتْ بِمَااكْتَسَبَتْهُ مِنَ الْمَعَاشِ فِي ظُلَمِ لَيَالِيهَا. فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ اللَّيْلَ لَهَا نَهَاراً وَ مَعَاشاً، وَ النَّهَارَ سَكَناً وَ قَرَاراً! وَ جَعَلَ لَهَا أَجْنِحَةً مِنْ لَحْمِهَا تَعْرُجُ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى الطَّيَرَانِ، كَأَنَّهَا شَظَايَا الْآذَانِ، غَيْرَ ذَوَاتِ رِيشٍ وَ لَاقَصَبٍ، إِلَّا أَنَّكَ تَرَى مَوَاضِعَ الْعُرُوقِ بَيِّنَةً أَعْلَاماً. لَهَا جَنَاحَانِ لَمَّا يَرِقَّا فَيَنْشَقَّا، وَ لَمْ يَغْلُظَا فَيَثْقُلَا. تَطِيرُ وَ وَلَدُهَا لَاصِقٌ بِهَا لَاجِئٌ إِلَيْهَا، يَقَعُ إِذَا وَقَعَتْ، وَ يَرْتَفِعُ إِذَا ارْتَفَعَتْ، لَايُفَارِقُهَا حَتَّى تَشْتَدَّ أَرْكَانُهُ، وَ يَحْمِلَهُ لِلنُّهُوضِ جَنَاحُهُ، وَ يَعْرِفَ مَذَاهِبَ عَيْشِهِ، وَ مَصَالِحَ نَفْسِهِ. فَسُبْحَانَ الْبَارِىءِ لِكُلِّ شَيْءٍ، عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ خَلَا مِنْ غَيْرِهِ!
و من خطبة له (ع) (156)
خاطب به أهل البصرة على جهة اقتصاص الملاحم
فَمَنِ اسْتَطَاعَ عِنْدَ ذلِكَ أَنْ يَعْتَقِلَ نَفْسَهُ عَلَى اللَّهِ، عَزَّوَجَلَّ، فَلْيَفْعَلْ. فَإِنْ أَطَعْتُمُونِي فَإِنِّي حَامِلُكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْجَنَّةِ، وَ إِنْ كَانَ ذَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَ مَذَاقَةٍ مَرِيرَةٍ.
وَ أَمَّا فُلَانَةُ فَأَدْرَكَهَا رَأْيُ النِّسَاءِ، وَ ضِغْنٌ غَلا فِي صَدْرِهَا كَمِرْجَلِ الْقَيْنِ، وَ لَوْ دُعِيَتْ لِتَنَالَ مِنْ غَيْرِي، مَا أَتَتْ إِلَيَّ، لَمْ تَفْعَلْ؛ وَ لَهَا بَعْدُ حُرْمَتُهَا الْأُولَى، وَ الْحِسَابُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.