«ما عُبِد اللَّهُ تَعالى بِشَي‌ءٍ أفْضَلَ مِن الفِقْهِ في الدِّين» [1].

«إنَّ لِكُلِّ شَي‌ءٍ دِعامةً ودِعامَةُ هذا الدِّين الفِقْهُ» [2].

«إذا ماتَ المُؤمِنُ الفَقِيهُ ثُلِمَ في الإسلامِ ثُلمَةٌ لايَسُدُّها شَي‌ءٌ» [3].

«ما مِن أحَدٍ يَموتُ مِن المُؤمِنينَ أحَبُّ إلى إبْلِيس مِن مَوتِ فَقِيهٍ» [4].

على أيّة حال، ومع الأخذ بنظر الاعتبار ما تقدّم بيانه من أنّ المصطلح المذكور لا يختص بالأحكام والمسائل الفرعية كالطهارة والصلاة وتفريعات الطلاق واللعان والبيع والإجارة، بل إنّ كلمة «فقه» و «تفقّه» في الآيات والروايات الشريفة، تساوق مفهوم «العالم بالدين» و «العارف بالإسلام» وكلمة «الفقيه» تطلق على من يتمتّع ببصيرة وفهم ثاقب في مجمل قضايا الدين، سواءً المعارف أم الأخلاق أم الأحكام، ويتبيّن من ذلك عمق الفاصلة الموجودة في الذهنية المسلمة مع حقيقة هذه المسألة، والغفلة التي يعيشها بعض طلّاب العلوم الدينية وعلماء الدين، وهي غفلة عن المعارف الّتي تتّصل بجوهر الدين وتمثّل معراج الصعود في مرقاة الكمال: «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ» [5] والغفلة عن القيم الأخلاقية والتهذيب النفسي الذي يعدّ معيار الصلاح والفلاح: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا» [6].

لا يخفى على جميع المحقّقين والمفكّرين في الحوزات العلمية ومن لهم عقلية منفتحة على حركة المعارف الدينية الجديدة الذين يسعون إلى بيان هذه الحقيقة، أنّ «الفقيه» لا يطلق على من تعمّق في مجال الفروع والأحكام الفرعية فحسب، بل إنّ «فقيه الكتاب والسنّة» أو «فقيه أهل البيت» لا يطلق على من ليست له معرفة واطّلاع على المعارف الحقّة وحقائق القرآن والتفسير ودقائق الآفاق النفسانية، بل «الفقيه كلّ الفقيه» هوالذي يرى تقديم دراسة وتعلّم المعارف القرآنية على كلّ شي‌ء ولا يضحّي بها من أجل اكتساب غيرها من العلوم و

«الفَقِيهُ كُلُّ الفَقيهِ مَن .... وَلم يَدَعِ القُرآنَ رغبةً عنهُ إلى ما سِواه» [7]

ويعتقد من موقع الإيمان والإذعان بأنّ العلوم النابعة من الكتاب والسنّة فيها «آية محكمة» و «فريضة عادلة» و «سنّة قائمة» [8].

وتقتضي الضرورة الإمساك بزمام القلم والذهن في هذا المجال حتى لا يتوغّل أكثر في بحث هذه المسألة بما يفضي إلى التفريط، وبالتالي وقوع طالب العلوم الدينية في منزلق الإفراط من جهة أخرى، ويؤدّي هذا التكريم على مستوى أرجحية المعارف والأخلاق إلى تهميش قيمة الفقه والمعرفة الدقيقة بالحلال والحرام والتقليل من أهميتها في أنظار وأذهان الناس، ولأنّ «أحكام الحلال والحرام» وردت من خلال النصوص القرآنية المتعدّدة «تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ» [9] حيث عبّر عنها القرآن بأنّها حدود اللَّه التي يستوجب متجاوزها عذاب جهنّم: «... وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا ...» [10] وخاصّة مع الالتفات إلى هذه‌

[1]. اصول السرخسي، ج 1، ص 10 عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.

[2]. الكامل لعبداللَّه بن عدي، ج 1، ص 378، عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.

[3]. الكافي، ج 1، ص 38، ح 2.

[4]. المصدر السابق، ح 1.

[5]. سورة فاطر، الآية 10.

[6]. سورة الشمس، الآية 9.

[7]. سنن الدارمي، ج 1، ص 89 عن علي بن أبي طالب عليه السلام عن رسول‌اللَّه صلى الله عليه و آله؛ الدرّ المنثور، ج 5، ص 332 عن علي عليه السلام.

[8]. الكافي، ج 1، ص 32، ح 1 عن النبي صلى الله عليه و آله: «إنّما العُلومُ ثَلاثةٌ: آيَةٌ مُحْكَمَةٌ وفَرِيضَةٌ عادِلَةٌ وسُنَّةٌ قائمةٌ».

[9]. سورة النساء، الآية 13.

[10]. سورة النساء، الآية 14.