نجد لهذه القضية صدىً واسعاً في آيات القرآن الكريم الذي يقول: «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا
إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ»[1].
والجدير بالذكر أنّ الحاكمية الحصرية للَّهتعالى في مقام التشريع لا تتنافى
مع هذه الحقيقة، وهي أنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله مثلًا يتحرّك في موارد
خاصّة وجزئية على مستوى التشريع بإذن اللَّه تعالى [2].
الثاني: إنّ عامّة فقهاء الإسلام- بغضّ النظر عن
مذاهبهم المختلفة- مشتركون في أهم الموارد والمنابع لاستنباط الحكم الفقهي، حيث
يشكّل القرآن والسنّة ركنين أصليين في استخراج الأحكام، والاختلاف الموجود بينهم
إنّما هو في كيفية الاستنباط من القرآن وفي حدود السنّة، وكيفية حجّية الإجماع،
وفي ميزان اعتبار العقل، وكذلك تختلف المذاهب الإسلامية فيما بينها في اعتبار بعض
المنابع الفقهية، كالقياس والاستحسان، ومذهب الصحابة وأمثالها، حيث سيأتي الكلام
عنها في البحوث اللاحقة.
الثالث. إنّ كيفية استخدام الأدلّة ومنابع الاستنباط
من قِبل الفقهاء، يتحرك باتجاه خاصّ، حيث يقدّم الفقهاء الطريق المنتهي إلى اليقين
على سائر الطرق، ثمّ يتحرّكون في غربلة الطرق الظنّية والاحتمالية (الأمارات) وبعد
ذلك وعند الشكّ يتّجهون نحو أدلّة الأحكام الظاهرية [3].
إنّ مصادر الاستنباط لا تنتهي في جميع الموارد إلى اليقين، بل إنّ البعض منها
يورث الظنّ بالحكم الشرعيّ بل إنّ بعضها لا يثير حتّى الشكّ الوجداني، ومن هنا
يبنغي على الفقيه إثبات اعتبار الأدلّة الظنّية والأصول والقواعد الحاكمة في حال
الشكّ، لتشخيص الوظيفة العملية للمكلّف.
والعلم الذي يتكفّل البحث في هذه المواضيع هو «علم الأصول» ويقال عن الحكم
المستخرج من الأدلّة الظنّية، أو من خلال الأصول العملية في حال الشكّ:
«الحكم الظاهريّ»، وبالطبع فإنّ أدلّة
الأحكام الظاهرية يجب إثباتها بالقطع واليقين، ولذا قال المشهور أنّ:
وذكر بعض علماء أهل السنّة في مجال ترتيب الأدلّة: إنّ أول دليل يغني المجتهد
عن جميع الأدلّة الأخرى، ومع وجوده لا يحتاج إلى دليل آخر هو الإجماع، الذي إذا
حصل عليه الفقيه فلا يلزمه البحث عن سائر الأدلّة، ولذلك ينبغي تأويل ما خالف
الإجماع ممّا ورد في الكتاب السنّة، أو القول بكونه منسوخاً، والمرتبة الثانية يصل
الدور إلى الكتاب والسنّة المتواترة ثمّ يصل الدور لخبر الواحد [5].
وبعد هذه المقدّمات نبدأ بالبحث في مورد المنابع الفقهية المتّفق عليها من قبل
الجميع، ثمّ نستعرض المصادر الأخرى لعملية الاستنباط الفقهي.
المصادر الأصلية والمتّفق عليها في عملية الاستنباط:
أ) القرآن الكريم
إنّ أهم منبع للأحكام الإلهيّة هو القرآن الكريم الذي