إلى غير ذلك من الوجوه الّتي يمكن نقضها بموارد استعمال الأمر في القدر الجامع
بين الوجوب والاستحباب، كقوله تعالى: «لاخَيْرَ
في كَثيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَو مَعْرُوفٍ أَو
إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ»[1]، وقوله عليه السلام في كتابه لمالك:
«هذا ما أمر
به عبداللَّه علي أمير المؤمنين، ثمّ قال: آمره بتقوى اللَّه ... آمره أن يكسر
نفسه عند الشهوات» [2]
فلا إشكال في استعماله في القدر الجامع بين الوجوب والاستحباب.
إلى غير ذلك من الأمثلة الّتي تبلغ حدّ الاطّراد، والاطّراد دليل الحقيقة كما
مرّ في محلّه، وأمّا استعماله في خصوص أحدهما فإنّما هو من باب تطبيق الكلّي على
الفرد، وهذا لا ينافي انصراف الإطلاق إلى خصوص الوجوب.
فظهر أنّ الدليل الوحيد على كونه دالّاً على الوجوب إنّما هو الوجه الأوّل، أي
التبادر والظهور العرفي، وأمّا سائر الوجوه فهي على حدّ التأييد للمدّعى لا أكثر،
لأنّها استعمالات لهذه المادّة في خصوص الوجوب، ومجرّد الاستعمال غير دالّ على
الحقيقة ما لم يبلغ حدّ الاطّراد.
ثمّ إنّه لا كلام في ظهوره في الوجوب، إنّما الكلام في منشأ هذا الظهور، فهل
هو الوضع بحيث يكون الأمر بمادّته موضوعاً للطلب الوجوبي [3]، أو المنشأ إنّما هو حكم العقل بوجوب طاعة
المولى الآمر قضاءً لحقّ المولويّة والعبوديّة [4]، أو أنّه قضية الإطلاق ومقدّمات الحكمة [5]؟