وبعد عدم تماميّة الوجه الأوّل؛ لصحّة الإطلاق على الطلب غير الإلزامي، وكذا
الوجه الثاني؛ لأنّ العقل لايمكنه الحكم باللزوم مع ما يرى من الأوامر الكثيرة
الّتي أذن المولى في تركها، فالحقّ أن يقال:
إنّ منشأ هذا الظهور هو الإطلاق ومقدّمات الحكمة؛ لأنّ طبيعة الطلب تنافي
الإذن في الترك، فإنّ الطلب بعث إلى الشيء، والبعث يقتضي الانبعاث كما في البعث
الفعلي، فلا سبيل لعدم الانبعاث في ماهيته، فالإلزام والوجوب لازم لطبيعة الطلب
وماهيّته، فما لم يصرّح المولى بالترخيص ولم يأذن بالترك ينصرف الطلب إلى الوجوب
ويتبادر منه اللزوم.
والشاهد على ذلك أنّه إذا لم يمتثل العبد أمر المولى اعتذاراً بأنّي كنت احتمل
الندب، لم يقبل عذره ويقال له: «إذا قيل لك افعل فافعل».
نعم، إذا قامت قرينة على الاستحباب والترخيص لم يكن الاستعمال مجازاً؛ لأنّ
الموضوع له عامّ يشمل الوجوب والاستحباب وإن كان إطلاقه ينصرف إلى الوجوب.
الجهة الثانية: في صيغة الأمر
ويبحث فيها في أمرين:
1. في مفادها
لا إشكال في أنّها وضعت للطلب الإنشائي؛ وبتعبير المحقّق الخراساني رحمه الله
لإنشاء الطلب [1]، وعلى
تعبير بعض الأعاظم وضعت لنفس البعث والإغراء [2]؛ فإنّها تعابير مختلفة عن أمر واحد، فإنّ
الإنسان تارةً يطلب شيئاً بنفسه مباشرة فيتحرّك نحو الماء مثلًا لرفع العطش بنفسه،
واخرى يطلبه بالتسبيب، والثاني على قسمين:
تارةً يحرّك الإنسان الشخص المأمور نحو المأمور به
بحركة تكوينيّة فيبعثه نحو العمل بعثاً خارجياً ويدفعه بقوّة يده مثلًا.
واخرى يحرّكه ويبعثه نحو العمل بإبراز إرادته وطلبه
النفساني بلفظ خاصّ، ومن