هذا مضافا إلى ما فيها من التخرّص على الغيب و اقتفاء ما ليس به علم إذا كان
الإخبار على سبيل الجزم، مع ما فيها من المفاسد الكثيرة و كشف الستور و إلقاء
الخلاف بين الناس و أخذ البرىء و إيجاد البغضاء، لأنّ كثيرا من أخباره كاذبة
فاسدة و مظنّة للفساد، فأراد الشارع المقدّس سدّ هذا الباب التي تأتي منها مفاسد
على المسلمين الأبرياء.
و أمّا ما يدعى من العلوم الغريبة فلم يثبت اعتبارها و كشفها عن الواقع، و لو
فرض إمكان كشف الغائبات بها و صحّتها، لم يثبت جوازها و جواز الرجوع إلى صاحبها،
بل ثبت عدمه.
و أمّا الجفر أو الجامعة الذي كان عند المعصومين عليهم السّلام فهو أمر وراء
ذلك لا دخل لها به.
نعم يمكن لبعض العبّاد و الزهّاد و أرباب النفوس الزكيّة الاطّلاع على بعض
الحقائق المكتومة و أسرار الغيب و قد حكي في التاريخ في أحوال أصحاب الأئمّة عليهم
السّلام و علماء السلف ما لا يخفى على الخبير، و الظاهر أنّه لا يدخل تحت أدلّة
الحرمة بعد أن كان بتعليم إلهي، و لكن جواز الإخبار بها موقوف على عدم ترتّب مفسدة
عليه كما هو ظاهر.
و كذلك لا مانع منه إذا حصل الاطّلاع عليه بالحسّ أو قرائن قريبة من الحسّ كما
لا يخفى.
فما يتراءى من بعض أهل الدين من الرجوع إلى بعض مدّعي العلوم الغريبة لكشف
ضالّتهم أو السارق أو غير ذلك من المغيبات و الامور المستقبلة ممّا لا ينطبق على
ضوابط المذهب.
و حاصل الفتوى: إنّه لا تجوز الكهانة و لا يجوز الرجوع إلى الكاهن، و كذا كلّ
من يخبر عن المغيبات سواء كان من طريق الكهانة أو العلوم الغريبة أو ملاحظة خطوط
الكفّ أو غير ذلك، نعم لا مانع منه إذا كان بمقدّمات حدسية قريبة من الحسّ و
نحوها، أو ما إذا الهم بقلب عبده المؤمن صاحب النفس الزكيّة، و أمّا الإخبار على
نحو الاحتمال و الترديد فلا مانع منه إذا لم تترتّب عليه مفسدة.