ثانياً ـالترميم : وهو أمر أدقّ من سابقه وأكثر صعوبة فلا يكفي أن نحمل تراث السلف لنسلّمه إلى الأجيال الآتية ، فإنّ التوقّف في مثل هذا الأمر ضرب من التخلّف ، فماذا نقصد إذن بالترميم ؟
. .الترميم عملية تعويضيّة لما يتّفق للحوزة من ثلمات ونواقص فيعوّض ذلك بتربية الطاقات البشرية أو استبدال بعض المفاهيم الجديدة مكانالمفاهيمالقديمة التي اندرستونسخت ، فإنّ المفاهيم تفقد حيويّتها ونشاطها بمرور الأيام فلا بدّ من التجديد والتحديث . وهذا الأمر ـ تقادم الأفكار وشيخوختها ـ يتّفق لسائر العلوم ، فلا بدّ من بحوث جديدة تُطرح لتملأ الخلأ العلمي الحاصل من فقد واندراس المفاهيم القديمة ، كما أنّ حجم تلك البحوث والمفاهيم لا بدّ أن يصل إلى مرحلة البلوغ والكمال . وعملية الترميم هذه تحتاج إلى كثير من الجهود والمعاناة .
ثالثاً ـالشموخ بالفقه : وهذا الأمر أكثر أهمّية وتعقيداً ممّا سبق ، وهو يعني التحديث وكشف الآفاق الجديدة ، ولا يعني التطوير تعميق البحوث وكثرة التدقيق فيها ومحاكمة الأفكار بقدر ما يعني اكتشاف آفاق جديدة في العلم نفسه أي في الملكات والقابليات الفقهيّة أو في محاصيل العلم ونتاجه أي البحوث الفقهيّة ، والكلام ذاته جارٍ في الاُصول وعلم الكلام وغيرها من العلوم التي تحتاج إلى الحياة .
. .الحوزات العلمية إنّما يمكنها ممارسة الترميم والتطوير إذا كانت حيّة فاعلة ، فالحوزة الموات لا يمكنها القيام بأعباء ذلك . إنّ الحقائق الإنسانية كالإنسان من حيث ما يطرأ عليه من أحوال مثل الموت والحياة والضعف والقوّة والصحّة والمرض ، والحوزة من هذا القبيل ، فثمّة حوزة قوية واُخرى ضعيفة وحوزة موات واُخرى حيّة وحوزة