إثبات أصل الاستحباب
بوجود المال أعني القدرة على كسبه عملا بالرواية الصحيحة ، ويتأكد الاستحباب مع
وجود الوصفين نظرا إلى الخبر الآخر [١] إلا أن قول المصنف : « ولو عدم الأمران كانت مباحة ، وكذا
لو عدم أحدهما » ينافي ذلك ، ولو فقد الشرطان معا لم يستحب لعدم المقتضي له ، حيث
إن الأمر مخصوص بالخبر المفسر بهما أو بالثاني ، ولو اتصف بالأول خاصة وهو الأمانة
لم يستحب ، لعدم المقتضي له ، وربما قيل بالاستحباب أيضا ، لاستعمال الخير فيه
وحده في قوله تعالى [٢]( فَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ) » يعنى عملا صالحا وهو الدين ، وقوله تعالى [٣]( وَالْبُدْنَ
جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ ) أي ثواب ، كما
أريد بالخير المال وحده في قوله تعالى [٤]( وَإِنَّهُ لِحُبِّ
الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ) وقوله تعالى [٥]( إِنْ تَرَكَ خَيْراً
الْوَصِيَّةُ ) ويضعف بأن استعمال المشترك في أحد معنييه لا يجوز بدون
قرينة كاستعماله في المعنيين ، وهي منتفية في جانب الدين وحده بخلاف المال ، فقد
يرجح جانبه بالرواية الصحيحة ، والتحقيق أن إطلاق اسم الخير على المعنيين المرادين
هنا مجاز ، لأنه في الشواهد إنما استعمل في العمل الصالح والثواب ونفس المال ،
والمراد هنا الأمانة والقدرة على التكسب ، وهما ليستا عملا صالحا ولا ثوابا ولا
مالا حقيقة ، وإنما يكون التكسب سببا في المال ، وإطلاق اسم السبب على المسبب مجاز
، كما أن إطلاق الأمانة القلبية على الأعمال الصالحة المتبادر منها إرادة اعمال
الجوارح أو الثواب عليه ولا يعرفه إلا الله تعالى مجاز أيضا ، وحينئذ فإطلاقه
عليهما أو على أحدهما موقوف على النقل ، وهو موجود في إرادتهما وإرادة
[١] الوسائل ـ الباب
ـ ١ ـ من أبواب المكاتبة الحديث ١.