ثم أطنب في
المناقشة في الآية بدعوى اشتراك لفظ « أنى » بين معنى « أين » ومعنى « كيف » الذي
لا يدل عمومه على تعدد الأمكنة ، بل تعدد الهيئة الشاملة لإتيانهن من قبل أو دبر
في القبل ، كما ورد [١] في سبب النزول ، والمشترك لا يحمل على أحد معنييه بدون
قرينة ، والقرينة هنا إما منفية عن هذا المعنى أو موجودة في الجانب الأخر ، وهي
الحرث المقتضى للزرع ، وقوله تعالى ( وَقَدِّمُوا
لِأَنْفُسِكُمْ )[٢] فإن المراد منه على ما قيل طلب الولد ، وقوله تعالى [٣]( فَأْتُوهُنَّ
مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) فإن آية الحرث وقعت بعدها كالمبينة لها ، وأما ما ورد في
سبب نزولها من فعل عمر ذلك [٤] « وأنه جاء الى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : هلكت فنزلت » فمعارض بما روي [٥] من « أن سببه
الرد على اليهود » ، وكلاهما مروي من طرق العامة ، ويزيد الثاني أنه مروي من طرق
الخاصة كما سمعته في صحيح معمر [٦] وحمل المشترك على معنييه كما وقع للطبرسي فقال : « المعنى
أين شئتم وكيف شئتم » ليس مرضيا عند المحققين.
وفيه أن المصرح به
في كلام أئمة اللغة أن « أنى » للمكان ، فاستعمالها في غيره مجاز ، لا اشتراك ، وعلى
تقديره فعموم الاشتراك عملا بالقرينتين غير ممتنع ، بل هو المتجه كما سمعته من
الطبرسي ، لحصول القرينة ، بل تعددها على كل منهما ، هذا إن لم نقل : إن عموم
الكيفية يقتضي التعميم في المكان كما مر ، على أن المكان هو مطلق بالنسبة إلى
الكيفية ، وخبر معمر مع موافقته للعامة معارض بما في خبر ابن أبي يعفور بناء على
إرادة الاستدلال بالآية فيه على ذلك ، لا على أن المراد بقوله تعالى ( مِنْ
حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) الولد ، والحاصل من تأمل ما في المسالك هنا وجد فيها مجالا
للنظر.
وأغربه أنه مع
أطنابه خرج من المسألة بلا حاصل ، مع أنه لا محيص للفقيه
[١] الوسائل الباب ـ
٧٢ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.