و خبرنى عما تحسّ و عما ينتابك من هول مما تسمع. و قل لنا كيف خطرت
فى نفسك صورة الأجرام السماوية العظيمة حيّة حساسة ترتعد فزعا و وهلا، و كيف تصورت
الدهر و هو يلتفت دهشا و ذهولا؟
ثم اسمع قوله فى منفاه و هو نهب اليأس و الأمل:
أسمع فى نفسى دبيب المنى
و ألمح الشّبهة فى خاطرى
تجد أنه رسم لك صورة للأمل يتمشى فى النفس تمشيا محسّا يسمعه بأذنه.
و أن الظنون و الهواجس صار لها جسم يراه بعينه؛ هل رأيت إبداعا فوق هذا فى تصويره
الشك و الأمل يتجاذبان؟ و هل رأيت ما كان للاستعارة البارعة من الأثر فى هذا
الإبداع؟
ثم انظر قول الشريف الرضى فى الوداع:
نسرق الدّمع فى الجيوب حياء
و بنا ما بنا من الأشواق
هو يسرق الدمع حتى لا يوصم بالضعف و الخور ساعة الوداع، و قد كان
يستطيع أن يقول: «نسترالدمع فى الجيوب حياء»؛ و لكنه يريد
أن يسمو إلى نهاية المرتقى فى سحر البيان، فإن الكلمة «نسرق» ترسم
فى خيالك صورة لشدة خوفه أن يظهر فيه أثر للضعف، و لمهارته و سرعته فى إخفاء الدمع
عن عيون الرقباء. و لو لا ضيق نطاق هذا الكتاب لعرضنا عليك كثيرا من صور الاستعارة
البديعة، و لكنا نعتقد أن ما قدمناه فيه كفاية و غناء.
[1]غرب السيف: حده، و تفزعت: ذعرت أى أصابها الذعر
و هو الخوف.
نام کتاب : البلاغة الواضحة، البيان و المعاني و البديع للمدارس الثانوية نویسنده : علی جارم جلد : 0 صفحه : 107