و من الشّرائط معرفة العرف العامّ و الخاصّ الّذي هو حجّة في الفقه، و ربّما يدخل في ذهن المجتهد بعض الشبهات فيصير ذهنه مئوفا [1] في معرفة العرف، مع أنّه من جملة العرف، و لا يفهم مثلهم لتطرّق الشّبهة، فاللازم عليه أن يرجع في ذلك إلى غيره من الجماعة الذين لم يتطرّق إلى [2] أذهانهم شبهة، و من لم يتفطّن بما ذكرناه يخرّب كثيرا في الفقه.
و من الشرائط الكلام، لتوقّفه على معرفة أصول الدّين، و أنّ الحكيم لا يفعل القبيح، و لا يكلّف ما لا يطاق، و أمثال ذلك بالدّليل، و إلاّ لكان مقلّدا.
و من الشرائط المنطق، لشدّة الاحتياج إلى الاستدلال في الفقه، و في العلوم التي هي شرط في الاجتهاد لأنّ الجميع نظريّات، و كلّ واحد منها مجمع شكوك و شبهات لا تحصى، و لا يتمّ الاستدلال في أمثال هذه إلاّ بالمنطق.
و من الشرائط أصول الفقه، و الحاجة إليه من البديهيّات كما صرّح به المحقّقون و كلّ واحدة واحدة من الفوائد الّتي ذكرناها تنادي بأعلى صوتها بالاحتياج إليه من وجوه متعدّدة، و تنادي أيضا بخطر الجهل فيه، و ضرر الغفلة، بل شدّة الخطر و عظم الضّرر. بل و إنّه الميزان في الفقه، و المعيار لمعرفة مفاسده، و أعظم الشرائط، و أهمّها كما صرّح به المحقّقون الماهرون الفطنون الّذين ليسوا بجاهلين و لا غافلين و لا مقلّدين من حيث لا يشعرون. و بسطنا الكلام في الرّسالة في إظهار شنائع الشكوك المخالفة للبديهة، بل بيّنا أنّ هذا
[1] أوف: الآفة و هي العاهة، و قد أيف الزرع ... أي أصابته آفة، فهو مئوف (مجمع البحرين 5: 29).