عن الأبصار صوت النداء عُرِف أنه من الغناء،
فبعد التأمل في البين و ظهور الفرق بين القسمين لم يكن من الاستثناء من الغناء كما
يظهر من بعض الفقهاء و هذا هو الذي جرت عليه سيرة الإمامية على مرِّ الأعصار متلقّين
له بالقبول دون الإنكار. و لكن قد وجدنا بعض التصرفات من المتخذين لقراءة التعزية
من طرق الاكتساب ألحاناً كألحان المغنين و المغنيات و عند التحقيق و إمعان النظر
الدقيق يعلم أن النائح و النائحة لو مدّا صوتيهما تمام المدّ و تجاوزا في الترجيع
ما فات عن الحد و لم يخرجا عن صنعة النائحة المعروفة لم يوصفا بصفة الغناء
الموصوفة فقد اتضح أن النياحة يجوز أخذ الأجرة عليها كسائر المباحات و المكروهات و
إنما يحرم حيث يكون النوح (بالباطل) أمّا بأن تذكر صفات كاذبة ليست في الميت أو
تذكر الصفات التي لا يسوغ ذكرها كأن تصفه بما يرفعه في دنياه و يضعه في أخراه أو
نقص يرفعه و صفة بغيره أو تأتي بالنوح غير السائغ لسماع الأجانب لو حرمناه و نهي
مفترض الطاعة أو لكونه على الكفار و نحوهم. و أما الباطل بمعنى الهذر فالظاهر عدم
المنع فيه و على كلّ حال فالمدار على المنع الشرعي حتى تكون الأجرة أجرة على
الحرام و الظاهر عدم الفرق بين الإعطاء بعد المقاطعة و بدونها و بين الدفع مع
قصدها التبرع و بدونه لأن الظاهر من الأدلة أن جميع ما يتولد من الحرام حرام. نعم
لو أعطاها لا لأجر نوحها فلا بأس و لو خلطت بين الحق و الباطل حرمت أيضاً، و لو
خلطته بصوت الغناء حرمت أجرتها أيضاً لظاهر الأخبار و لعدم الانفكاك عن خليط الحقّ
غالباً. (و يجوز بالحقّ) خلاف الباطل على كراهة مع الشرط لقوله (ع): ( (قل لها لا
تشارط)) أو مطلقاً لما دلّ على الإطلاق مع حمل الأول