تعلّقا بالمخبر عنه، فلا يخلو المخبر عنه من أن يكون على ما تناوله الخبر، فيكون صدقا، أو ليس على ما تناوله الخبر، فيكون كذبا. و إذا لم يكن بين النفي و الإثبات واسطة في مخبر الخبر، فلا واسطة في الخبر بين الصّدق و الكذب.
و قول الجاحظ: «إنّه لا يكون كاذبا إلاّ من علم كونه كذلك» باطل؛ لأنّ العقلاء يصفون كلّ مخبر علموا أنّ مخبر خبره ليس على ما تناوله خبره بأنّه كاذب و إن لم يعلموا أنّه عالم بذلك، و لو كان العلم شرطا، لوجبت مراعاته كما وجب مراعاة متناول الخبر. و المسلمون يصفون اليهود و النصارى بالكذب على اللّه، و إن كان أكثرهم لا يعلم أنّه كاذب، بل يعتقد أنّه صادق. و لو كان الأمر على ما ادّعاه الجاحظ؛ لوجب أن يكون قول أحدنا لغيره: «إنّه كاذب و لا يعلم بأنّه عالم بكذبه» مناقضة، و ممّا لا يمكن أن يكون حقّا، و معلوم خلاف ذلك. و الجاحظ بنى هذا على مذهبه في المعارف، و أنّها ضرورة، و اعتقاده أنّ من لا يعرف فهو معذور، و كونه كاذبا يقتضي الذمّ، فلم يتّصف به إلاّ مع العلم، و قد بيّنّا في الذّخيرة [1] و غيرها بطلان هذا المذهب، و دللنا على أنّ المتمكّن من المعرفة يقوم مقامها في لحوق الذمّ و استحقاق العقاب.
و الصدق من جنس الكذب؛ لأنّ السامع لا يفصل بينهما بالإدراك، و لو اختلفا في الجنس لفصل بالإدراك بينهما.
و لم يكن الخبر خبرا لجنسه، و لا لصيغته، و لا لوجوده، بل لقصد المخبر إلى كونه خبرا، و كلّ شيء دللنا به على أنّ الأمر لم يكن أمرا لشيء يرجع إلى أحوال الأمر ممّا قدّمنا ذكره مبسوطا هو دلالة في الخبر، فلا معنى لإعادته [2] .