ثمّ وقعت الفتنة [1] و الشّدّة الشّديدة على بني إسرائيل، و هم ينتظرون قيام القائم.
فمكثوا كذلك أربعمائة سنة حتّى آن وقت ولادة موسى (عليه السلام)، فاشتدّ الأمر عليهم، و جرى الأمر بولادة موسى (عليه السلام) و إلقائه في اليمّ و تربيته في دار فرعون إلى أن نشأ و تزعزع [2] كما هو في الكتاب العزيز، و كان لبني إسرائيل رجل عالم يستريحون إلى حديثه، و يفرّجون عن أنفسهم الكرب باجتماعهم إليه، فبينا هم كذلك إذ طلع عليهم موسى (عليه السلام) و كان في ذلك الوقت حديث السّنّ، و هو مع فرعون، فعدل عن الموكب و أقبل إليهم، و تحته بغلة و عليه طيلسان [3] خزّ. فلمّا رآه ذلك العالم عرفه، فقام إليه و أكبّ عليه يقبّل يديه و رجليه، و قال: الحمد للّه الّذي لم يمتني حتّى أرانيك.
فلمّا رأى شيعته ذلك علموا أنّه هو، فأكبّوا على الأرض شكرا للّه عزّ و جلّ، فلم [4] يزدهم على أن (قال: أرجوا) [5] أن يعجّل اللّه فرجكم. ثمّ غاب عنهم مدّة حتّى خرج إلى مدين [6]، و مكث مدّة طويلة هناك، فكانت تلك الغيبة الثّانية، و كانوا يخرجون إلى الصّحاري و يسألون اللّه تعالى الفرج، فمكثوا نيّفا و خمسين سنة و قد
[6]- في معجم البلدان: 5/ 77: «مدين- بفتح أوّله و سكون ثانية و فتح الياء المثنّاة من تحت و آخره نون-: قال أبو زيد: مدين على بحر القلزم محاذية لتبوك على نحو من ستّ مراحل، و هي أكبر من تبوك، و بها البئر الّتي استقى منها موسى (عليه السلام) لسائمة شعيب، قال: و رأيت هذه البئر مغطّاة قد بني عليها بيت، و ماء أهلها من عين تجري؛ و مدين اسم القبيلة ... و هي مدينة قوم شعيب، سمّيت بمدين بن إبراهيم (عليه السلام) ...».