و هو يتبرم بهمَذان و العيشِ فيها، فيرسم حياته فيها على هذَا النحو الساخر البديع:
سقى همذانَ الغيثُ لستُ بقائل * * * سوى ذا و في الأحشاء نار تَضرّمُ
[1]
و ما لى لا أُصفِى الدُّعاءَ لبلدةٍ * * * أفدتُ بها نسيانَ ما كنتُ أَعلم
نَسِيت الذي أحسنتُه غير أننى * * * مَدِينٌ و ما في جوف بيتىَ درهم
و هو صاحبُ حملة ما جنة على من يزهدون فِي الدِّينار و الدِّرهم، و يطلبون المجد في العلم و العقل، أنشد البِيرونى له [2]:
قد قال فيما مضى حكيم * * * ما المرء إلا بأصغريه
فقلت قول امرئ لبيبٍ * * * ما المرء إِلا بدرهميه
من لم يكن مَعْهُ درهماه * * * لم تلتفت عِرسُه إِليه
و كان من ذُلِّهِ حقِيرا * * * تبول سنَّورُه عليه
و لابن فارس التفات عجيب إلى السنور، و قد سجل في غير هذا الموضع من شعره أنه كان يصطفى لنفسه هرة تلازمه، و تنفى عنه هموم قلبه و وساوس النفس:
و قالوا كيف أنت فقلت خيرٌ * * * تُقَضَّى حاجةٌ و تفوت حاجُ
إِذا ازدحمت همومُ القلب قلنا * * * عَسى يوما يكون لها انفراجُ
نديمى هِرّتى و سرور قلبى * * * دفاتر لى و معشوقى السراج [3]
و هو بصير ذو خبرة بطبائع الناس، و استئسارهم للمال، و خضوعهم له:
إذا كنت في حاجة مرسِلا * * * و أنت بها كَلِفٌ مغرمُ
[1] ياقوت، و الثعالبى، و ابن خلكان، و ابن العماد.
[2] الآثار الباقية ص 338 و ياقوت.
[3] يتيمة الدهر، و دمية القصر، و نزهة الألباء، و المنتظم، و ياقوت، و ابن خلكان، و اليافعى، و ابن العماد.