النظر عمّا كان قد علمه من الامور الغيبيّة بانباء رسول اللّه عن اللّه عزّ اسمه بمقتله، كان يعلم أنّ عليه أن يختار أحد اثنين لا ثالث لهما: إمّا البيعة و إمّا القتل، و كان يشير إلى ذلك في أقواله مرّة بعد أخرى، و قد بان ذلك منذ أوّل مرّة طلب منه البيعة بعد موت معاوية حيث أشار مروان على والي المدينة أن يأخذ منه البيعة و أن يقتله إن أبى، ففرّ منهم الإمام إلى مكة و التجأ إلى بيت اللّه الحرام.
و تبيّن له في مكة أنّ يزيد يريد أن يغتاله، و خشي أن يكون الذي تستباح به حرمة البيت كما صرّح به لاخيه محمّد ابن الحنفيّة و قاله أيضا لابن الزبير حين قال له:
و ايم اللّه لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتّى يقضوا فيّ حاجتهم، و اللّه ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في السبت...
و اللّه لأن أقتل خارجا منها أحبّ إليّ من أن أقتل داخلا منها بشبر.
و قال لابن عباس:
لأن أقتل بمكان كذا و كذا أحبّ إليّ من أن أقتل بمكّة و تستحلّ بي.
إذا فإنّ الإمام كان يعلم انّه لا محيص له عن القتل أينما كان، ما زال ممتنعا عن بيعة خليفة المسلمين يزيد بن معاوية فاختار سبيل الشهادة لنفسه و لمن تبعه! أمّا أهل الكوفة، فانهم بعد أن توالت كتبهم إلى الإمام الحسين (ع) يقولون فيها انّه ليس علينا امام فأقبل لعلّ اللّه أن يجمعنا بك على الحقّ، و النعمان بن بشير في قصر الامارة لسنا نجتمع معه في جمعة و لا عيد، و لو قد بلغنا أنّك قد أقبلت أخرجناه حتّى نلحقه بالشام.
و يقولون:
إلى الحسين بن علي من شيعته المؤمنين و المسلمين. أما بعد فحيّ هلا،