كيف بكم إذا ظهر تعاديهما و بدا تباغضهما و وقع بأسهما بينهما حتّى تسفك الدماء و يودّ كثير من الأحياء أنّهم كانوا موتى؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا شيء قضى به المنجّمون عن مولدهم، أو شيء أثرته العلماء في أمرهما؟ قال: بل شيء أثرته العلماء عن الأوصياء عن الأنبياء في أمرهما.
قالوا: فكان المأمون يقول في خلافته: قد كان الرشيد سمع جميع ما جرى بيننا من موسى بن جعفر بن محمّد [28] ، فلذلك قال ما قال.
قال المؤلف: قصد الرشيد من الأوصياء الأئمة من أهل البيت: موسى و أباه جعفر الصادق و جدّه محمّد الباقر و جدّ أبيه علي بن الحسين ثمّ الحسن و الحسين و أباهما عليّ بن أبي طالب (ع) . و قصد من الأنبياء خاتم الأنبياء (ص) .
و من أجل ذلك فعل الخليفة هارون الرشيد ما لم يفعله خليفة من قبله و لا بعده و ذلك كما رواه المؤرّخون و قالوا:
(و لمّا صار إلى مكّة صعد المنبر، فخطب، ثمّ نزل، فدخل البيت، و دعا بمحمّد و المأمون، فأملى على محمّد كتاب الشرط على نفسه، و كتب محمّد الكتاب، و أحلفه على ما فيه، و أخذ عليه العهود و المواثيق، و فعل بالمأمون مثله، و أخذ عليه مثل ذلك، و كان نسخة الكتاب الّذي كتبه محمّد بخطّه:
بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا كتاب لعبد اللّه هارون أمير المؤمنين، كتبه محمد بن هارون في
[28] الأخبار الطّوال، ط. القاهرة الأولى سنة 1960، ص 389 لأبي حنيفة الدينوري (ت: 282 هـ) . و مروج الذّهب للمسعودي 3/351.