responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : كليلة و دمنة نویسنده : ابن المقفع    جلد : 1  صفحه : 64

واظب على طبّه لا يبتغي إلاّ أجر الآخرة، فرأيت أن أطلب الاشتغال بالطّبّ ابتغاء الآخرة لئلاّ أكون كالتّاجر الذي باع ياقوتة ثمينة كان يصيب بثمنها غنى الدّهر بخرزة لا تساوي شيئا، مع أني قد وجدت في كتب الأوّلين أنّ الطّبيب الذي يبتغي بطبّه أجر الآخرة لا يمنعه ذلك حظّه من الدّنيا و أنّ مثله مثل المزارع الذي يبذر حبّه في الأرض و يعمرها ابتغاء الزرع لا ابتغاء العشب ثمّ هي لا محالة نابت فيها ألوان العشب مع يانع الزّرع‌ [1] فأقبلت على مداواة المرضى ابتغاء أجر الآخرة، فلم أدع مريضا أرجو له البرء و آخر لا أرجو له ذلك إلاّ أني أطمع أن يخفّ عنه بعض المرض إلا بالغت في مداواته ما أمكنني بالقيام عليه بنفسي، و من لم أقدر على القيام عليه وصفت له ما يصلح و أعطيته من الدّواء ما يتعالج به، و لم أرد ممن فعلت معه ذلك جزاء و لا مكافأة، و لم أغبط أحدا من نظرائي‌ [2] الذين هم دوني في العلم و فوقي في الجاه و المال و غيرهما ممّا لا يعود بصلاح و لا حسن سيرة قولا و لا عملا.

و لمّا تاقت نفسي إلى غشيانهم‌ [3] و تمنّت منازلهم أثبتّ لها الخصومة و قلت لها: يا نفس أ ما تعرفين نفعك من ضررك، أ لا تنتهين عن طلب ما لا يناله أحد إلاّ قلّ انتفاعه به و كثر عناؤه فيه و اشتدّت المئونة [4] عليه و عظمت المشقّة لديه بعد فراقه، يا نفس أ ما تذكرين ما بعد هذه الدّار فينسيك ما تشرهين إليه‌ [5] منها، أ لا تستحين من مشاركة الفجّار في حبّ هذه العاجلة الفانية التي من كان في يده منها شي‌ء فليس له و ليس بباق عليه فلا يألفها إلاّ المغرورون الجاهلون، يا نفس انظري في أمرك و انصرفي عن هذا السفه‌ [6] و اقبلي بقوّتك و سعيك على تقديم الخير و إيّاك و الشّرّ و اذكري أنّ هذا الحسد موجود لآفات و أنه مملوء أخلاطا فاسدة قذرة


[1] يانع الزرع: ناضجه.

[2] نظرائي: أمثالي.

[3] غشيانهم: من غشيته اذا أتيته، و الاسم الغشيان بالكسر.

[4] المئونة: الثقل و الشدة.

[5] تشرهين: تحرصين.

[6] السفه: نقص في العقل و خفة.

غ

نام کتاب : كليلة و دمنة نویسنده : ابن المقفع    جلد : 1  صفحه : 64
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست