نام کتاب : كليلة و دمنة نویسنده : ابن المقفع جلد : 1 صفحه : 56
نفسه وجدها قد ركبت أهواء هجمت بها فيما هو أعرف بضررها فيه و أذاها من ذلك السّالك في الطّريق المخوف الذي قد عرفه، و من ركب هواه و رفض ما ينبغي أن يعمل بما جرّبه هو أو أعلمه به غيره كان كالمريض العالم برديء الطّعام و الشّراب و جيّده و خفيفه و ثقيله ثم يحمله الشّره [1] على أكل رديئه و ترك ما هو أقرب إلى النّجاة و التّخلّص من علّته، و أقلّ النّاس عذرا في اجتناب محمود الأفعال و ارتكاب مذمومها من أبصر ذلك و ميّزه و عرف فضل بعضه على بعض، كما أنه لو أنّ رجلين أحدهما بصير و الآخر أعمى ساقهما الأجل إلى حفرة فوقعا فيها كانا إذا صارا جميعا في قعرها بمنزلة واحدة غير أنّ البصير أقلّ عذرا عند النّاس من الضّرير إذ كانت له عينان يبصر بهما و ذاك بما صار إليه جاهل غير عارف، و على العالم أن يبدأ بنفسه فيؤدبها بعلمه و لا تكون غايته اقتناؤه العلم لمعاونة غيره و يكون كالعين الّتي يشرب الناس ماءها و ليس لها في ذلك شيء من المنفعة، و كدودة القزّ التي تحكم صنعه و لا تنتفع به، فينبغي لمن طلب العلم أن يبدأ بعظة نفسه [2] ثمّ عليه بعد ذلك أن يقبسه [3] فإنّ خلالا [4] ينبغي لصاحب الدّنيا أن يقتنيها و يقتبسها، منها العلم و المال، و منها اتخاذ المعروف و ليس للعالم أن يعيب أمرا بشيء فيه مثله و يكون كالأعمى الذي يعيّر الأعمى بعماه، و ينبغي لمن طلب أمرا أن يكون له فيه غاية و نهاية و يعمل بها و يقف عندها و لا يتمادى في الطّلب فإنه يقال من سار إلى غير غاية يوشك أن تنقطع به مطيّته [5] و أنّه كان حقيقا ألاّ يعنّي نفسه في طلب ما لا حدّ له و ما لم ينله أحد قبله، و لا يتأسّف عليه و لا يكون لدنياه مؤثرا [6] على آخرته فإنّ من لم يعلق قلبه بالغايات قلّت حسرته عند مفارقتها و قد يقال في أمرين إنّهما