نام کتاب : كليلة و دمنة نویسنده : ابن المقفع جلد : 1 صفحه : 205
طلب الصّيد و خلّفتهما في كهفهما، فمرّ بهما إسوار فحمل عليهما و رماهما فقتلهما و سلخ جلديهما فاحتقبهما [1] و انصرف بهما إلى منزله، ثمّ إنّها رجعت فلمّا رأت ما حلّ بهما من الأمر الفظيع اضطربت ظهرا لبطن و صاحت، و كان إلى جنبها شغبر فلمّا سمع ذلك من صياحها قال لها: ما هذا الذي تصنعين و ما نزل بك فأخبريني به. قالت اللّبوءة: شبلاي مرّ بهما إسوار فقتلهما و سلخ جلديهما فاحتقبهما و نبذهما بالعراء [2] .
قال لها الشّغبر: لا تضجّي و أنصفي من نفسك، و اعلمي أنّ هذا الإسوار لم يأت إليك شيئا إلاّ و قد كنت تفعلين بغيرك مثله و تأتين إلى غير واحد مثل ذلك ممّن كان يجد بحميمه [3] و من يعزّ عليه مثل ما تجدين بشبليك فاصبري على فعل غيرك كما صبر غيرك عليه منك، فانّه قد قيل كما تدين تدان و لكلّ عمل ثمرة من الثواب و العقاب و هما على قدره في الكثرة و القلّة كالزّرع إذا حضر الحصاد أعطى على حسب بذره.
قالت اللّبوءة: بيّن لي ما تقول و أفصح لي عن إشارته، قال الشّغبر: كم أتى لك من العمر؟قالت اللّبوءة: مائة سنة. قال الشّغبر: ما كان قوتك؟قالت اللّبوءة: لحم الوحش. قال الشّغبر: من كان يطعمك إيّاه؟قالت اللّبوءة: كنت أصيد الوحش و آكله. قال الشّغبر: أ رأيت الوحوش التي كنت تأكلين أ ما كان لها آباء و أمّات؟قالت بلى. قال الشّغبر: فما بالي لا أرى و لا أسمع لتلك الآباء و الأمّات من الجزع و الضّجيج ما أرى و أسمع لك أما إنّه لم ينزل بك ما نزل إلاّ لسوء نظرك في العواقب و قلّة تفكّرك فيها و جهالتك بما يرجع عليك من ضرّها.
فلمّا سمعت اللّبوءة ذلك من كلام الشّغبر عرفت أنّ ذلك ممّا جنت على نفسها و أنّ عملها
[1] احتقبهما: من الحقب و اصله حبل يشد به رجل البعير إلى بطنه كي لا يتقدم إلى كاهله و هو غير الحزام.
و الحقيبة: ما يحمل من القماش على الفرس خلف الراكب. و حقبتها و احتقبتها حملتها.