نام کتاب : كليلة و دمنة نویسنده : ابن المقفع جلد : 1 صفحه : 192
فعليك منّي السّلام. قال الملك: إنّك لو لم تكن قد اجتزيت منّا فيما صنعناه بك أو كان صنيعك بنا من غير ابتداء منّا بالغدر كان الأمر كما ذكرت، أمّا و نحن قد بدأناك فما ذنبك و ما الّذي يمنعك من الثّقة بنا، هلمّ فارجع فإنّك آمن. قال فنزة: اعلم أنّ الأحقاد لها في القلوب مواقع ممكّنة موجعة. فالألسن لا تصدق في خبرها عن القلوب و القلب أعدل شهادة على اللّسان من اللّسان على القلب. و قد علمت أنّ قلبي لا يشهد للسانك و لا قلبك للساني.
قال الملك: أ لم تعلم أنّ الضّغائن و الأحقاد تكون بين كثير من النّاس، فمن كان ذا عقل كان على إماتة الحقد أحرص منه على تربيته. قال فنزة: إنّ ذلك لكما ذكرت، و لكن ليس ينبغي لذي الرّأي مع ذلك أن يظنّ أنّ الموتور الحقود ناس ما وتر به و لا مصروف عنه، و ذو الرّأي يتخوّف المكر و الخديعة و الحيل و يعلم أنّ كثيرا من العدوّ لا يستطاع بالشدّة و المكابرة حتى يصاد بالرّفق و الملاينة كما يصاد الفيل الوحشيّ بالفيل الدّاجن [1] . قال الملك: إنّ العاقل الكريم لا يترك إلفه و لا يقطع إخوانه و لا يضيّع الحفاظ [2] و إن هو خاف على نفسه، حتّى أنّ هذا الخلق يكون في أوضع الدّواب منزلة، فقد علمت أنّ اللعّابين يلعبون بالكلاب ثمّ يذبحونها و يأكلونها و يرى الكلب الذي قد ألفهم ذلك فلا يدعوه إلى مفارقتهم و لا يمنعه من ألفته إيّاهم.
قال فنزة: إنّ الأحقاد مخوفة حيث كانت فأخوفها و أشدّها ما كان في أنفس الملوك، فإنّ الملوك يدينون [3] بالانتقام، و يرون الدّرك [4] و الطلب بالوتر مكرمة و فخرا و إنّ العاقل لا يغترّ بسكون الحقد إذا سكن، فإنّما مثل الحقد في القلب إذا لم يجد محرّكا مثل الجمر المكنون ما لم يجد حطبا، فليس ينفك الحقد متطلّعا إلى