نام کتاب : كليلة و دمنة نویسنده : ابن المقفع جلد : 1 صفحه : 137
فلأثبتنّ مكاني حتى أنظر ما ذا يصنع، ثمّ إنّ الصيّاد نصب شبكته و نشر عليها الحبّ و كمن قريبا منها فلم يلبث إلاّ قليلا حتى مرّت به حمامة يقال لها المطوّقة و كانت سيدة الحمام و معها حمام كثير فعميت هي و صاحباتها عن الشّرك فوقعن في الحبّ يلتقطنه فعلقن في الشبكة كلّهنّ و أقبل الصيّاد فرحا مسرورا، فجعلت كلّ حمامة تضطرب في حبالتها و تلتمس الخلاص لنفسها، قالت المطوّقة: لا تخاذلن [1] في المعالجة و لا تكن نفس إحداكنّ أهمّ إليها من نفس صاحبتها، و لكن نتعاون جميعنا و نطير كطائر واحد فينجو بعضنا ببعض، فجمعن أنفسهنّ و وثبن وثبة واحدة فقلعن الشبكة جميعهنّ بتعاونهنّ و علون بها في الجوّ، و لم يقطع الصيّاد رجاءه منهنّ و ظنّ أنّهنّ لا يجاوزن [2] إلاّ قريبا و يقعن. فقال الغراب: لأتبعهنّ و أنظر ما يكون منهنّ، فالتفتت المطوّقة فرأت الصيّاد يتبعهنّ فقالت للحمام: هذا الصيّاد مجدّ في طلبكنّ فإن نحن أخذنا في الفضاء لم يخف عليه أمرنا و لم يزل يتبعنا، و إن نحن توجّهنا إلى العمران خفي عليه أمرنا و انصرف، و بمكان كذا جرذ هو لي أخ فلو انتهينا إليه قطع عنّا هذا الشرك، ففعلن ذلك و أيس الصيّاد منهنّ و انصرف، و تبعهنّ الغراب فلمّا انتهت الحمامة المطوّقة إلى الجرذ أمرت الحمام أن يسقطن فوقعن.
و كان للجرذ مائة جحر للمخاوف، فنادته المطوّقة باسمه و كان اسمه زيرك فأجابها الجرذ من جحره: من أنت؟قالت: أنا خليلتك المطوّقة، فأقبل إليها الجرذ يسعى فقال لها: ما أوقعك في هذه الورطة؟قالت له: أ لم تعلم أنّه ليس من الخير و الشرّ شيء إلاّ و هو مقدّر على من تصيبه المقادير و هي التي أوقعتني في هذه الورطة، فقد لا يمتنع من القدر من هو أقوى منّي و أعظم أمرا. و قد تنكشف