(و تاسعها) أنكم عملتم بفتاوى الأموات و قلدتموهم فيها في كثير من المسائل، منها مسائل الجرح و التعديل، فإنّ قولهم: انه ثقة، أو إنّ حديثه صحيح، أو إنه فاسد المذهب، أو ضعيف الحديث، و إن كان إخبارا عن حاله و ما هي عليه، إلا أنه مبني على الاجتهاد [1].
و ذلك أنّ أسباب التوثيق و التضعيف و التصحيح، لو نقلوها لنا لربما عقلنا منها غير ما عقلوه، و فهمنا منها غير ما فهموه، كما هو المشاهد في التعديلات و الجروح التي ذكروا أسبابها، مثل ما وقع للمتأخرين في شأن عمر بن حنظلة، حيث قالوا إن الشهيد الثاني (طاب ثراه) وثّقه، فيكون حديثه صحيحا، فاعتمد على توثيقه هذا جماعة منهم.
و بعضهم بحث عن سبب هذا التوثيق، فاذا هو قول الصادق (عليه السلام) لمّا قيل له إن
[1] الظاهر وقوع الخلط بين الاجتهاد في الأحكام الشرعية المتوقف غالبا على إعمال الحدس و النظر (و هو المبحوث عنه فعلا) و بين الاعتماد على أقوال الرجاليين في الجرح و التعديل.
و ينبغي التفصيل بين المتقدمين منهم و المتأخرين، اذ لا ريب في حجية أقوال القدماء كالنجاشي، و الشيخ، و الكشي، و المفيد، و الصدوق، و البرقي، و ابن قولويه (رحمهم اللّه تعالى) فانه لشهادات حسّية بأحوال الرواة لقرب عصرهم بهم، و نقل ثقة عن ثقة مثله، ممن كان عارفا بحال الراوي أو صاحب الكتاب، و لا أقل من الشك في كون شهادة الرجالي حسيّا أو حدسيا، و هو مشمول لدليل اعتبار خبر الثقة فيما لم يعلم نشؤه عن الحدس.
و أما المتأخرون، كالعلامة و الشهيد، و الشيخ منتجب الدين (رحمهم اللّه تعالى) و أضرابهم، فلا شك في أنّ شهاداتهم لمن كان بعيدا عن عصرهم، مبنية على الحدس و الاجتهاد