بين الأضداد، اذ تراه مدرسا في الحوزة حاملا ثقلها و عبأها على ظهره و هو يفيض عليهم كالسيل كأن ليس له عمل سوى الدراسة.
و تراه يدير شئون المرجعية الكبرى فيأخذ الحقوق و يقسمها على مستحقيها و يصرف الباقي في المشاريع الخيرية و سبلها بغير مساعد و معين، مع ما لهذه العملية الجبارة الشاقة من استفراغ الوقت.
و تراه يجيب عن الاستفتاءات الواردة عليه من أصقاع البلاد.
و تراه يراجع العلماء، و رواد العلم، و يعود المرضى، و في الوقت نفسه تراه يؤلف الكتب هذه الكتب الثمينة التي عكف عليها الفطاحل و أصبحت منذ أن برزت من قلمه الشريف الى يومنا هذا، و الى الأجيال الآتية: من الكتب الدراسية الرسمية فهي الوحيدة في بابها لم يسبقه الأوائل في الاتيان بمثلها، و كل من جاء بعده فمن علمه استفاد، و من بحر فيضه اغترف.
و تراه بالإضافة الى هذه كلها: عابدا ناسكا خاشعا متواضعا، خائفا من خشية اللّه، زاهدا قانعا بالقليل من حطام الدنيا، يأكل الجشب، و يلبس الخشن.
و تراه مكبا على النوافل كأن ليس له شغل عداها.
أجل: إن هذه الأمور يتنافى بعضها مع بعض.
فهذه الموفقية الجبارة ليست إلا عناية إلهية يخص بها من يشاء من عباده الأبرار، المصطفين الأخيار، و هو القائل جل شأنه: و الذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا.
فسبحان من أعطى له هذه الملكة الملكوتية، و النفسية القدسية.