دامت الزعامتان (للشيخ) خمسة عشر عاما أي من عام 1266 الى عام 1281 و هي سنة وفاته و صفى له الجوا فلم تشغل باله زخارف الدنيا: لا زبرجها، و لا نقودها، لا صفراؤها و لا بيضاؤها، و لم يغتر بإقبال الناس و تهافتهم عليه، فقد كان يعيش في الدنيا كالمسافر عاش عيشة بسيطة فكان غاية البساطة فلو يمثّل الزهد و الورع لم يتعداه فكان الرقم القياسي فيهما، فقد اقتدى بسيرة إمامه و مولاه (أمير المؤمنين) عليه الصلاة و السلام فإنه قد اكتفى من دنياه بطمريه، و من طعمه بقرصيه، فاخذ نموذجا من أعماله (صلوات اللّه و سلامه عليه) حتى لا يكون بينه، و بين مولاه التباين الكلي، حيث لا يمكن لأحد: الاقتداء به الاقتداء الكامل التام و هو القائل: «ألا و إنّكم لا تقدرون على ذلك، و لكن أعينوني بورع و اجتهاد، و عفة و سداد» [1].
و هناك حكايات تروى، و قصص تحكى حول زهد الشيخ و تورعه الشديد، و كيفية تصرفه في الحقوق الشرعية قد بلغت حد التواتر المعنوي لا نرى لإنكارها موجبا، فلو أردنا ذكرها بأجمعها لطال بنا المقام، و لخرجنا عن الموضوع.
لكن طبقا للقاعدة المعروفة: (ما لا يدرك كله لا يترك جله و الميسور لا يترك بالمعسور): نذكر حكايات ثلاث، جلاء للنفس، و صفاء للقلب.
(الحكاية الأولى): كانت عائلة الشيخ في دور زعامته التي بلغت قمتها و الأموال الطائلة بين يديه: في أزمة شديدة من العيش، حيث كان الشيخ قد قرر لهم مقدارا معينا من المصاريف اليومية و المبلغ لا يكفي بحاجات البيت فاشتكت عند أحد رجال الدين الذين له منزلة عند الشيخ:
[1] نهج البلاغة. الجزء 3 ص 70 شرح الأستاذ محمد عبده.