الحيوان ركّب تركيباً يجعله يلتذّ من القيام بتلك الأعمال الغريزية ، في نفس الوقت الذي تؤدّي له أعظم الفوائد والمنافع .
والتفسير الآخر : أنّ الغريزة إلهام غيبي إلهي بطريقة غامضة ، زُوّد به الحيوان ؛ ليعوّض عمّا فقده من ذكاء وعقل . وسواءٌ أصحّ هذا أم ذاك فدلائل القصد والتدبير واضحة وبدهية في الوجدان البشري ، وإلاّ فكيف حصل هذا التطابق الكامل بين الأعمال الغريزية وأدقّ المصالح وأخفاها على الحيوان ؟!
إلى هنا نقف ، لا لأنّ دلائل العلم على المسألة الإلهية قد استنفدت ـ وهي لا تستنفد في مجلّدات ضخام ـ بل حفاظاً على طريقتنا في الكتاب .
ولنلتفت ـ بعد كلّ ما سقناه من دلائل الوجدان على وجود القوّة الحكيمة الخلاّفة ـ إلى الفرضية المادّية ؛ لنعرف في ضوء ذلك مدى سخفها وتفاهتها ؛ فإنّ هذه الفرضية حين تزعم أنّ الكون بما زخر به من أسرار النظام ، وبدائع الخلقة والتكوين ، وقد أوجدته علّة لا تملك ذرّة من الحكمة والقصد ، تفوق في سخفها وغرابتها آلاف المرّات من يجد ديواناً ضخماً من أروع الشعر وأرقاه ، أو كتاباً علمياً زاخراً بالأسرار والاكتشافات ، فيزعم أنّ طفلاً كان يلعب بالقلم على الورق ، فاتّفق أن ترتّبت الحروف ، فتكوّن منها ديوان شعر ، أو كتاب علم .