تحلّل السلوك الحيوي بصورة عامة إلى وحدات من الفعل المنعكس . وفسّرت الغرائز بأنّها تركيبات معقّدة من تلك الوحدات ، أي : سلسلة من أفعال منعكسة بسيطة ، فلا تعدو الغريزة أن تكون كحركة جذب اليد عند وخزها بالدبوس ، وانكماشة العين عند تسليط ضوء شديد عليها ، غير أنّ هذين الفعلين منعكسان بسيطان ، والغريزة منعكس مركَّب .
وهذا التفسير الآلي للغريزة لا يمكن الأخذ به ؛ لدلائل متعدّدة يضيق المجال من الإفاضة فيها . فمنها أنّ الحركة المنعكسة آلياً إنّما تثار بسبب خارجي ، كما في انكماشة العين التي تثيرها شدّة الضوء ، مع أنّ بعض الأعمال الغريزية ليس لها مثير خارجي . فأيّ مثير يجعل الحيوان منذ يوجد يفتّش عن غذائه ، ويجهد في سبيل الحصول عليه ؟! أضف إلى ذلك : أنّ الأعمال المنعكسة آلياً ليس فيها موضع لإدراك وشعور ، مع أنّ مراقبة الأعمال الغريزية تزوّدنا بالشواهد القاطعة على مدى الإدراك والشعور فيها . فمن تلك الشواهد تجربة أجريت على سلوك زنبار ، يبني عشّه من عدد من الخلايا ، إذ كان ينتظر القائم بالتجربة أن يتمّ الزنبار عمله في خلية ما ، فيخدشها بدبوس ، فإذا أتى الزنبار لعمل الخلية الثانية ووجد أنّ الإنسان قد أفسد عليه عمله ، عاد إليه فأصلحه ، ثمّ سار في عمل الخلية التالية ، وكرّر المجرّب تجربته هذه عدداً من المرّات ، أيقن بعدها أنّ تتابع إجراء السلوك الغريزي ليس تتابعاً آلياً ، ولاحظ المجرّب أنّ الزنبار عندما يعود ويرى أنّ الخلية التي تمّت قد أصابها التلف ، يقوم بحركات ، ويخرج أصواتاً تدلّ على ما يشعر به من غضب وضيق .
وبعد سقوط هذه النظرية المادّية يبقى تفسيران للغريزة :
أحدهما : أنّ العمل الغريزي يصدر عن قصد وشعور ، غير أنّ غرض الحيوان ليس ما ينتج عنه من فوائد دقيقة ، بل الالتذاذ المباشر به ، بمعنى : أنّ