وإذا كانت الوحدة المادّية قابلة للتجزئة والانفصال ، فهي مؤتلفة ـ إذن ـ من مادّة بسيطة تركّز فيها قابلية التجزئة ، واتّصالية مقوّمة لوحدتها . وهكذا يتّضح : أنّ وحدات العالم المادّي مركّبة من مادّة وصورة .
النتيجة الفلسفية من ذلك :
وحين يتبلور المفهوم الفلسفي للمادّة القاضي بائتلافها من مادّة وصورة ، نعرف أنّ المادّة العلمية لا يمكن أن تكون هي المبدأ الأوّل للعالم ؛ لأنّها بنفسها تنطوي على تركيب بين المادّة والصورة . ولا يمكن لكلّ من الصورة والمادّة أن يوجد مستقلاً عن الآخر ، فيجب أن يوجد فاعل أسبق لعملية التركيب ، تلك التي تحقّق للوحدات المادّية وجودها .
وبكلمة أخرى : أنّ المبدأ الأوّل هو الحلقة الأُولى من سلسلة الوجود ، وتسلسل الوجود يبدأ حتماً بالواجب بالذات ، كما عرفنا في الجزء السابق في هذه المسألة . فالمبدأ الأوّل هو الواجب بالذات ، وباعتباره كذلك يجب أن يكون غنياً في كيانه ووجوده عن شيء آخر . والوحدات الأساسية في المادّة ليست غنية في كيانها المادّي عن فاعل خارجي ؛ لأنّ كيانها مؤتلف من مادّة وصورة ، فهي بحاجة إليهما معاً ، وكلّ من المادّة والصورة بحاجة إلى الآخر في وجوده ، فينتج من ذلك كلّه أن نعرف أنّ المبدأ الأوّل خارج عن حدود المادّة ، وأنّ المادّة الفلسفية للعالم ـ القابلة للاتّصال والانفصال ـ بحاجة إلى سبب خارجي يحدّد وجودها الاتّصالي أو الانفصالي .