كنّا ننطلق في برهاننا على المسألة الإلهية من المادّة بمفهومها العلمي ، التي برهن العلم على اشتراكها ، وعرضية الخصائص بالإضافة إليها . والآن نريد أن ندرس المسألة الإلهية على ضوء المفهوم الفلسفي للمادّة .
ولأجل ذلك يجب أن نعرف ما هي المادّة ؟ وما هو مفهومها العلمي والفلسفي ؟
نعني بمادّة الشيء : الأصل الذي يتكوّن منه الشيء . فمادّة السرير هي الخشب ، ومادّة الثوب هي الصوف ، ومادّة الورق هي القطن ، بمعنى : أنّ الخشب والصوف والقطن هي الأشياء التي يتكوّن منها السرير والثوب والورق . ونحن كثيراً ما نعيّن مادّة للشيء ، ثمّ نرجع إلى تلك المادّة لنحاول معرفة مادّتها ، أي : الأصل الذي تتكوّن منه ، ثمّ نأخذ هذا الأصل ، فنتكلّم عن مادّته وأصله أيضاً . فالقرية إذا سُئِلنا ممّ تتكوّن ؟ أجبنا بأنّها تتكوّن من عدّة عمارات ودور . فالعمارات والدور هي مادّة القرية ، ويتكرّر السؤال عن هذه العمارات والدور ، ما هي مادّتها ؟ ويجاب عن السؤال بأنّها تتركّب من الخشب والآجر والحديد . وهكذا نضع لكلّ شيء مادّة ، ثمّ نضع للمادّة بدورها أصلاً تتكوّن منه ، ويجب أن ننتهي في هذا التسلسل إلى مادّة أساسية ، وهي المادّة التي لا يمكن أن يوضع لها مادّة بدورها .
ومن جرّاء ذلك انبثق في المجال الفلسفي والعلمي السؤال عن المادّة الأساسية والأصلية للعالم ، التي ينتهي إليها تحليل الأشياء في أصولها وموادّها .