والأسباب ، ليس صحيحاً ـ إذن ـ ما دامت التجربة لا تباشر إلاّ الحقل المادّي من الوجود ، وما دام نشاطها في هذا الحقل الذي تباشره لا يتخطّى إيضاح الأسباب والآثار المنبثقة عنها إلى الكشف عن السبب الذي جعل هذه الآثار بحاجة إلى تلك الأسباب . وإذا كانت التجربة ووسائلها المحدودة ، قاصرة عن تكوين إجابة واضحة في هذه المسألة ، فيجب درسها على الأسس العقلية ، وبصورة فلسفية مستقلّة . فكما أنّ مبدأ العلّية نفسه من المبادئ الفلسفية الخالصة ـ كما عرفت سابقاً ـ كذلك ـ أيضاً ـ البحوث المتّصلة به ، والنظريات التي تعالج حدوده .
ويجب أن نشير إلى أنّ اتّهام فكرة المبدأ الأوّل ، بأنّها لون من الإيمان بالصدفة ، ينطوي على سوء فهم لهذه الفكرة ، وما ترتكز عليه من مفاهيم ؛ ذلك أنّ الصدفة عبارة عن الوجود من دون سبب ، لشيء يستوي بالنسبة إليه الوجود والعدم ، فكلّ شيء ينطوي على إمكان الوجود ، وإمكان العدم بصورة متعادلة ، ثمّ يوجد من دون علّة ، فهو الصدفة . وفكرة المبدأ الأوّل تنطلق من القول : بأنّ المبدأ الأوّل لا يتعادل فيه الوجود والعدم ، فهو ليس ممكن الوجود والعدم معاً ، بل ضروريّ الوجود ، وممتنع العدم . ومن البدهي : أنّ الاعتقاد بموجودٍ هذه صفته ، لا ينطوي على التصديق بالصدفة مطلقاً .
ب ـ نظرية الحدوث :
وهي النظرية التي تعتبر حاجة الأشياء إلى أسبابها مستندة إلى حدوثها [1] . فالانفجار ، أو الحركة ، أو الحرارة ، إنّما تتطلّب لها أسباباً ؛ لأنّها أمور حدثت بعد العدم . فالحدوث هو الذي يفتقر إلى علّة ، وهو الباعث الرئيسي الذي يثير فينا
[1] راجع شرح المقاصد لسعد الدين التفتازاني 2 : 13 .